لا تزال إمتدادات الصراع الذي حصل على الأرض العراقية إثر التغيير في 9/4/2003 لأغراض السيطرة والكسب ومد النفوذ والأستحواذ والهدم والبناء وإعادة الإعمار ماثلة بين معسكرين أو أكثر، يقف في أحد جوانبه عراقيون أخيار وقوى سياسية نزيهة لا ينكر أحد مساعيهم في إعادة البناء والتعمير، ويقف في الجانب المقابل منها عراقيون أشرار وقوى سياسية مشبوهة ترتبط بالخارج فكرا وتموينا وتنفيذا للمهام، لا يقوى أحد على تجاهل حقيقتهم وضح النهار، وفي داخل كل معسكر من تلك المعسكرات توجهات صراع بين الرؤى والأفكار وسبل التنفيذ، وشخوص ورموز وجماعات وأجهزة مخابرات غير منظورة، تتحرك بطرق يصعب إدراكها بوسائل الإدراك المتيسرة بالوقت الحاضر.

لما يتعلق بأتباع المعسكر الأول وبسبب الظروف السائدة، يندفع البعض "القليل" منهم أحيانا أو تدفعهم بواعث الصراع إلى استخدام القوة أو التهديد بأستخدامها وسيلة سريعة لحسم الموقف إلى صالحهم، وتنفيذ أفكارهم ورؤاهم التي تعودّوا حشر تنفيذها، وسيستمرون بهذا النهج لمرحلة ليست قصيرة تعتمد في الأصل على النضج الديمقراطي الكفيل بأستبدالها بمنطق الحجة ونهج التفكير ليس قريبا من الآن، وأستمرارهم هذا يجعلهم يفكرون حتما بوسائل تنفيذ تمتلك القوة والسيطرة في الشارع العراقي العريض، فوجدوا القوات المسلحة العراقية قريبة منهم في ظروف تشكيلها الصعبة، فوقفوا يحملون قوائم ترشيح للتطوع، وضغطوا من الأعلى لقبولها بأوجه متعددة، وتلمسوا فتح أبوابها واسعة لقبول من يريد أن يحشر نفسه دون ضوابط، وأحسوا بفطرتهم السياسية أن هناك أستعداد لدى البعض من الضباط القدامى والأحداث لأن يكونوا جزء من معسكرهم الفاعل في الصراع، فكانت النتيجة خرق أمني سياسي واضح دفع لأن تدخل بعض الوحدات، ويتجه بعض الآمرين لأن يكونوا طرفا منحازا في عملية الصراع، وإن لم تصل إلى مستوى الخطر حتى وقتنا الراهن. 

أما ما يتعلق باتباع ومريدي المعسكرات الأخرى في الصراع أجانب كانوا أم عراقيين، عصابات مافيوية أو أفراد، وجدوا الفرصة بعد فترة زمنية قصيرة من التغيير سانحة إلى أستخدام القوة بكل اشكالها لإثارة الفوضى والإضطراب، واقع منه يحققون مكاسبهم في التحصيل والتخريب،  وعصبات للنهب، وحاقدين للتعويق، وفي سعيهم الحثيث هذا توجهوا هم أيضا صوب القوات المسلحة مندسين في صفوفها عن طريق التطويع خاصة في سنته الأولى أو التجنيد الذي أصبح المال وسيلته المضمونة، فكانت النتيجة خرق أمني جنائي ملموس دفع إلى أن تُتهم القوات المسلحة بين الحين والآخر بالفساد وسوء الإدارة والإنحياز، وأن تكون طرفا في صراع نوعي يراد له التخريب وإعاقة عملية البناء.     

تلك استنتاجات أكدتها أحداث تتعلق بقيام أفراد من القوات المسلحة، والحمايات الخاصة، بتنفيذ مهام تخل بالأمن الداخي، وتؤكدها أحداث الديوانية وكربلاء، والبصرة التي أنحاز فيها البعض من المنتسبين إلى أحد أطراف الصراع، ونفذوا مساعيه في الحسم بأستخدام السلاح، وتؤكدها أخيرا أحداث العمارة التي يقتصر مسرح عملياتها على أطراف صراع خليط من كل المعسكرات، وهي أستنتاجات تحتم أن يسعى قادة القوات المسلحة بكل جهدهم إلى تحييدها، وإبعادها عن التسييس، لتبقى رمزا وطنيا، قادرا على  حسم كل أنواع الصراع المخل بأمن الدولة، متمكنا من حماية الديمقراطية، مبتعدا عن أن يكون طرفا في صراع قد يمتد في حال عدم السيطرة عليه إلى مستوى يحرق فيه الأطراف التي سعت من جانبها إلى التسييس.

د. سعد العبيدي                                             13/12/2003