من حق السيد رئيس الوزراء الأستاذ المالكي أن يهدد بضرب التجاوز، والخطأ والجريمة، وأعمال الإرهاب بيد من حديد، وهو الأدرى بتناقضات الوضع، وببواطن الأمور. ومن حق الشعب الذي يصلي جل أبناءه من أجل أن يضرب المالكي بيد من فولاذ لينقذ ما تبقى من أرواح وممتلكات أبناءه المنكوبين أن يتلمس ماهية تلك اليد التي سيضرب بها أسباب، ومسببات الجريمة التي استشرت بشكل يفوق المعقول على أرض العراق،. ومن حقهم أيضا أن ينبهوا حكومة السيد المالكي إلى أن التهديد في الأمن وحالات الاضطراب لفظ قد يأتي مفعوله عكسيا إذا لم يقترن بفعل يدرك وجوده الجميع، ويحسون حصوله بشكل واضح، وملموس، لأن الذي يجري من الناحية النفسية عندما تعلن الدولة أو الحكومة مشروعها في الضرب بشدة أو التهديد بالقيام به هو أن يترقب المعنيون، أي الإرهابيون، والمجرمون جدية التهديد، وقدرة القائمين على تنفيذه، والأسلحة المستخدمة لتطبيقه عمليا، وسعة ذلك التطبيق، وبعد استنزاف وقت الترقب الذي لم يستغرق إلا القليل يتجهون إلى التحدي بأفعال أكثر سعة، وتأثيرا ليثبتوا فشل المقابل أي القائم بالتهديد، ويسجلوا في عقول المتلقين نقاط لا تتحدد بالفشل من عدم إمكانية التطبيق، بل وبقدرتهم الفائقة على التحكم في ساحة قتال نفسي مبادئ التفوق فيها تعتمد كثيرا على الصبر، والمطاولة ، وفرض الإرادات، وإثارة القلق، والتوتر والإرهاب من جانب، ويسعون من جانب آخر إلى وضع الحكومة في موقف الحرج، ووضع أنفسهم في  موقف التفوق، ووضع الشعب بين فكي كماشة تضغط على جهازه العصبي المتعب من جهتين أملا في استسلامه لأفكارهم، وخططهم، وتطلعاتهم. 

لقد انتهت فترة الترقب ما بعد التهديد الذي أطلقه السيد رئيس الوزراء، ولم تتضح الكيفية التي ستستخدمها الحكومة في الضرب على رؤوس المستحقين، ولم يتلمس أهالي بغداد، والبصرة وباقي مدن العراق الساخنة أن يدا من حديد قد امتدت لتهوى على رؤوس القتلة والمجرمين، بل وعلى العكس من ذلك ظهر أكثر من مسئول يبشر بخطة أمن مستقبلية، يثبت التبشير دون تطبيقها فعليا أن اليد الحديدية لم يستكمل صنعها بعد، ويتوعد أكثر من مسئول بإجراءات فورية، وحل مشاكل مستعصية، يثبت الوعد بها دون التطبيق أن استخدام اليد الحديدية أمل لم يتحقق بعد.

إن العراق في وضعه الحالي بحاجة فعلا إلى استخدام اليد الحديدية كما يتمنى السيد المالكي استخدامها ، لكنه استخدام إذا أريد له أن يكون مؤثرا يتطلب أولا أن تستخدم فعلا في يوم التهديد باستخدامها لكي لا يعطي المستخدم فرصة للمجرمين إلى الترقب، وإعادة حشد القوة والضرب المضاد، ويحتاج استخدامها إلى فرض حالة طوارئ يتلمس وقعها الجميع، تعطل فيها بعض القوانين، وتخول فيها بعض السلطات إلى العسكر أو قوات الأمن في ساحة القتال، ويتنحى بوجودها الجهد السياسي الديمقراطي، وتغيب في محيطها المليشيات، وتصدر أحكام مشددة على من يحمل السلاح، ويؤوي حملة السلاح، وعلى من يوفر المعلومات لحاملي السلاح، وتوضع ضوابط للتنقل، وتقييد حركة الأجانب والمشبوهين، ويجري التحفظ على المشكوك بهم وأرباب السوابق، والمحترفين، وتنشأ محاكم لهذا الغرض تصدر أحكاما سريعة على وفق القانون، وتفرض فيها هيبة الدولة ويعاد القانون، وغيرها الكثير من الإجراءات تؤدي إلى فرض الأمن بقوة السلاح الحكومي. وبعكسه سيكون الأمر مجرد تهديد يفضي إلى التأثير السلبي من الناحية العملية، وستجد الحكومة نفسها في حالته تقدم وعدا، وتعيد تقديمه في دائرة يقوى في داخلها العدو، وتضعف أجهزتها في تنفيذ الوعود، عندها وبعد فوات الأوان سيجد الشعب أنه مدفوع بالحاجة إلى صناعة دكتاتور يعيد الأمن إلى سابق عهده، ويرمي بأحلامهم في الديمقراطية، والتعددية أدراج الرياح.

د. سعد العبيدي     4/6/2006