الوسواس اضطراب نفسي يعيش المصاب به تحت مستوى شديد من القلق يدفعه إلى تكرار سلوك غير مألوف بهدف التخلص من ذلك القلق، والمشكلة فيه أن خفض القلق إثر تكرار السلوك المضطرب لن يدوم إلا قليلا من الوقت ليعود بعده الوسواسي إلى تكرار نفس السلوك كما هو الحال لمن يعاني وسواس النظافة على سبيل المثال الذي يندفع المصاب  به إلى الاغتسال عدد من المرات يفوق الطبيعي بسبب قلقه من الاتساخ، وهكذا هو الأمر لأنواع أخرى من الوسواس أكثرها إيلاما بالنسبة للمصاب تلك التي تتعلق بالأفكار التسلطية التي يعتقد بسببها المعني أنه لا بد وأن يمر من طريق ما أو لا ينبغي أن يمر منه أو إن ما يفكر به هو الصحيح، وأكثرها خطرا بالنسبة لمن يحيط به من أفراد ومجتمع عندما يتسلم الوسواسي مقاليد الأمور في عائلة يحاول أن يثبت في مجالها أنه الأصوب في الرأي والتفكير، فيجبرهم على الالتزام بمعاييره للوقت والنظافة وهامش للعلاقات والتحرك وغيرها معايير وأنواع من السلوك تجعلهم يعيشون حياة صعبة أو منفرة، وكذلك عندما يتقدم المعني في مفاصل السياسة ويكون في مصافي المسئولين فيحاول من خلال موقعه أن يثبت أفكاره الوسواسية ويفرض آراءه غير المنطقية، فيفرط في الكلام ويكرر في عباراته لساعات يعود بعدها معتقدا أنه لم يوصل ما يريد إلى من حوله فيعيد ثانية ما قاله إذا ما سنحت له الفرصة بذلك، ويفرط في الانتقاد إذ يؤسس على بعض الهنات البسيطة أو غير الموجودة أفكارا عن الهدم والتجاوز والتخريب يعتقد أن الزملاء يرتكبونها وإنه المعني بتقويمها فيسارع لمعاداة الواحد منهم تلو الآخر في سعي محموم يعجز بمحصلته عن إقناعهم بالخطأ غير الموجود إلا في تفكيره المضطرب، ويعجزون هم عن التقليل من شدة قناعاته الوسواسية لأنه مريض. وخطر الوسواسي في السياسة لا يتوقف عند الإفراط في الكلام أو الانتقاد بل وكذلك في استعراض شخصيته بغلاف الإخلاص، والوطنية، والنزاهة التي يحاول من خلالها استمالة البعض إلى جانبه لتغطية ذلك الإفراط من جهة ومحاولة استخدامهم لطعن أو تسقيط من يعتقد أنه لا ينسجم وأفكاره المريضة من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس نجده جادا في تجميع الأخطاء وإثباتها بالأساليب المتاحة بينها الكذب والمخادعة ليقنع نفسه أنه الصحيح أي أنه غير مضطرب، وإن أفكاره ومشاريعه وطروحاته هي التي يجب أن تسود ليخفف من شدة القلق الذي يعانيه. ومع ذلك فخبرة السياسة التي تتأسس على المرونة والمناورة التي عادة ما تكون غير موجودة عند المصابين بالوسواس من جهة، وقصر نفسهم أو عدم قدرتهم على المواصلة لتحقيق أهداف السياسة من جهة أخرى حدت كثيرا من إمكانية وصولهم إلى المراكز العليا لاتخاذ القرار، ودفعت إلى اقتصار تحركهم على الانتساب إلى حزب أو حركة ليخرجوا منها محتجين على عدم تقدميتها على سبيل المثال ليدخلوا أخرى يبذلون جهدا مضاعفا في مجالها ليتركوها منتقدين انحرافها نحو اليمين، وبعد الفشل في تخفيف القلق من ذلك التقلب يهرولوا إلى الأمام باتجاه تكوين جماعة أو حركة خاصة بهم ويعاودوا الانشقاق عليها بدعوى عدم مواكبة الموجودين فيها حركة العصر ومعنى الاشتراكية، وهكذا نجدهم يدخلون حزبا ويخرجون منه عاتبين، ويقودون انشقاقا على الحزب الذي سعوا مع غيرهم لتكوينه وهم غاضبين، وهكذا يبقى حالهم حتى يتفاقم اضطرابهم ويقتنعوا أنهم مرضى لا يصلحون للسياسة، أو يدرك القريبين منهم أنهم مرضى لا يصلحون للعمل في السياسة، عندها ينتهي خطرهم على ذاتهم وعلى المجتمع الذي يعيشون.               

د. سعد العبيدي                             27/10/2004