المجلس المحلي لمدينة بغداد يعفي أمينها الذي تضاهي درجته درجة الوزير من مهام منصبه لتقصيره وعدم كفاءته، ورئيس الوزراء لا علم له بذلك، وذات المجلس المحلي لنفس العاصمة بغداد يلغي الإعفاء ويعيد الأمين إلى منصبه السابق لكفاءته وما مشهود له من نزاهة وإخلاص، ولا أحد من الناس يسأل أعضاء المجلس كيف حصل ذلك ولماذا التخبط وسوء التقدير، ولا أحد من أعضاء المجلس المحلي يعي أن فعل من هذا النوع يمهد إلى الفوضى والاضطراب. ومجلس الحوار الوطني (كما ورد بوسائل الإعلام) يرشح وزراء من حصة السنة في الوزارة، ويعلن بعد الترشيح أنه وبسبب عدم التشاور مع أعضاءه وأمور أخرى سوف لن يشارك فيها، ويرفض أحد مرشحيه الانسحاب منها بعد التصديق على تسميته وزيرا، دون أن يسأل ذاك الوزير نفسه كيف له أن يقابل جماعته والجمهور العراقي بعد أن تنتهي أعمال وزارته بعد عدة أشهر من الآن، وهو لا يدرك في ذات الوقت أن عمله سيسقط الثقة بمن يدعى أنه يمثل جماعة أو طائفة على المدى البعيد. ووزير في الوزارة السابقة يترك منصبه قبل الاستلام الرسمي للوزارة الجديدة المنتخبة بعدة أيام، ولا أحد في رئاسة الوزراء يعلمه بوجود التزام وظيفي وأدبي وبروتوكولي يحتم قيامه بتسليم الوزارة رسميا، ولم تكن هناك ضوابط ملزمة في هذا المجال، ويزيد على فعلته هذه باصطحاب الحمايات والسيارات ولا قانون يحاسبه، أو سلطة تردعه، دون أن يعي أن عمله هذا يثير الشبهة من حوله ويفسح المجال لمن يأتي من بعده بالتمادي على النظام والقانون. وطاقم وزارة ينهي أعماله قبل تسليم الوزارة بيوم واحد عن طريق الإحالة على التقاعد والنقل إلى أماكن مختارة، فيجد الوزير الجديد أن الخبرة الممتدة للوزارة غير موجودة، وما من خيار أمامه إلا أن يبدأ من الصفر وعن طريق المحاولة والخطأ كما بدء غيره من الوزراء، دون أن يضعوا جميعا في حسابهم أن سياسة البدء من الصفر وكذلك المحاولة والخطأ هي الأساس في تدمير البلاد. وأكثر من وزير في الوزارة السابقة يتوجهون إلى الخارج بعد تسليم الوزارة مباشرة مستصحبين معهم همومهم والعراق وإشاعات تنهش الأجساد... يقطعون صلتهم بالمجتمع الذي وعدوا أنهم سيخدمونه وبأحزابهم السياسية التي رشحتهم للوزارة قبل أقل من سنة من الآن، دون أن يفكروا بأن الهروب إلى الأمام خطأ جسيم وإن التاريخ في وقتنا الراهن سيكتب بطريقة مختلفة عن ما كان يكتب بها أيام زمان. ووزراء من أحزاب صغيرة كانوا قد قطعوا اتصالات لهم بأخرى وصلت حدود الاتفاق التمهيدي على الدمج وإعادة الهيكلة لإنتاج أحزاب أكبر يكون لها موقع يناسب حجمها في المجتمع العراقي، قد عاودوا الاتصال ثانية بعد التأكد من عدم تسميتهم وزراء في الوزارة الجديدة، دون أن يكلفوا أنفسهم بسؤالها عن جدوى معاودة الاتصال بعد أن أعطوا انطباعا عن سلوك لا يصنف إلا في مجال الانتهازية الوصولية والرغبة الجنونية في تحقيق الذات.
تلك وغيرها الكثير من الهنات التي رافقت عمل الوزارة السابقة تؤشر على أنها لم تكن قد عملت بأسلوب الفريق الوطني المنسجم بل وبأسلوب (حارة كل من أيدو إلو كما يقول السوريون)، كما تؤشر أيضا أن اختيار بعض أعضائها لم يكن موفقا، وإنها طيلة أقل من عام لم تنجح في وضع ضوابط ومعايير قيمية لعمل حكومي يتسق ومعايير الديمقراطية، والأهم منها جميعا أن كثرة الأخطاء وكم الإخفاقات والتقصير زاد من نسبة العراقيين الذين بدءوا الترحم على أيام زمان، وسيزيد كذلك من الذين سيديرون وجهتهم صوب الحكومة الجديدة آملين أن تضع في حساباتها تلك الهنات وتشرع في الإصلاح قبل فوات الأوان.
د. سعد العبيدي 7/5/2005