عندما يحدث التغيير أو التحول من نظام إلى آخر تحت تأثير السلاح في الانقلابات العسكرية، والحروب عادة ما يتخلخل النظام الوظيفي، الذي يحاول في مجاله الحكام إلى محاولات المحافظة عليه أو ترميمه من خلال السيطرة على بعض المفاصل الوظيفية العليا، وإسناد مسئولية قيادتها إلى أشخاص موالون مختصون، وإبقاء المفاصل الأقل لمن كان يشغلها في السابق مع العمل على تنفيذ برامج التطهير والتعويض وتطبيقها بشكل تدريجي بهدف المحافظة على إنسيابية العمل، ونقل الخبرة الوظيفية إلى الجيل الجديد، تفاديا لحالة التصدع والانهيار، حتى أصبحت هذه الاجراءات بديهة لجأ إليها العسكر المصري عام 1952، والعراقي عام 1958 في إنقلابهم على الملكية، وعمل بموجبها حزب البعث عام 1968، عندما أسس دكتاتوريته الثانية.

وعادة ما يتدافع في إطار هذا النوع من التغيير القادمون الجدد تحت تأثير التحقيق السريع للذات في الطريق إلى الحصول على المكاسب، وظائف ودرجات عليا، وإمتيازات، مستثمرين الفرصة المتاحة، ساعين إلى التعويض النفسي والمادي عن سني الحرمان. وفي تدافعهم هذا تجري أنواع من الاستعراضات، والادعاءات، وتستخدم أنواع من المكائد، والتلفيقات، وتكتب كثير من التقارير، والبيانات في زحمة التسقيط وتسهيل عملية الوصول، الذي يحاول في مجالها الحكام تحمل مسئولية الغربلة، والتغاضي عن بعض انواع السلوك المرتبط بالماضي، والاستفادة القصوى من المتخصصين المحسوبين على الماضي، مع التخطيط في ذات الوقت للتعويض وملأ الفراغ تدريجيا بهدف السيطرة، وضبط مجريات العمل، وتجنب التخلخل والانهيار.        

إلا إن تلك البديهيات التي لم يتجاوز عليها المتحضرون من اليابانيين والألمان بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يخل بها الانقلابيون المتخلفون، ولا الثوريون الاستبداديون لم يحسب حسابها سياسيوا العراق بعد 9/4/2003 عندما أعطي عضو مجلس الحكم على سبيل المثال حصة من المناصب العليا يوزعها حسبما يريد، ولأن بعضهم لا أحزاب لهم، ولا جمهور فأدخلوا في حصتهم الأقرب إلى مراكزهم من المعارف والأصدقاء، فشغل الحصة أشخاص غير متخصصين أنتشروا بين قاعدة وظيفية متخصصة، أسهموا من حيث لا يريدون في حالة التردي وعدم الاستقرار. وعندما توجه الوزير إلى تبديل طاقم وزارته من حزبه أو حصته الطائفية والقومية، فدخل الحصة أميون وانتهازيون لا يمكنهم الحيلولة دون حصول التردي وربما التمهيد إلى الانهيار. وعندما فكر المسئول بتوسيع نفوذه وإيجاد قاعدة جماهيرية لوجوده، سارع الخطى إلى العشيرة والطائفة والقومية والحزب لوضع أبنائها في مناصب مستحدثة أو أخرى رحل عنها الخبير والمتخصص، فدخل الوظيفة بعض من المتخلفين، والجهلة، لا يمكنهم المساهمة في إعادة الترميم، ولا الحيلولة دون الانهيار. وبسببها نجد اليوم أن دوائر عليا في الدولة أو ما تسمى بالعقل المفكر للحكومة بات كل منتسبيها من الأشخاص الجدد ولم نجد بينهم من القدامى المستمرين في الخدمة إلا ما ندر، ونجد وزارات بدلت طواقمها العليا أكثر من مرة خلال السنتين والنصف المنصرمة، ولم نجد فيها من القدامى قد ثبت في مكانه إلا ما ندر، وعلى اساسها نسمع التأخير في البت ببعض القضايا، وفقدان معاملات، وخطأ بعض التقديرات، وإعاقة تنفيذ أوامر وقرارات، وضياع حقوق وإلتزامات.

إن الوظيفة في علم الإدارة ليست تخصصا فنيا فقط، ولا جسدا يملأ الفراغ، بل تأهيل مهني ومجموعة الخصائص السلوكية، والمعرفية التي تكتسب أثناء الممارسة العملية لتنتج الشخصية الوظيفية التي تؤدي مهامها حسب ما تقتضيه المصلحة، ومواصفات المنصب المطلوب. وعلى وفق هذا المفهوم الذي أخل به في عراق اليوم يمكننا القول أننا قد نواجه قريبا مصاعب إدارية، يمكن أن تمهد إلى نوع من الإنهيار، لا يمكن الحيلولة دون حصوله في ضل الحرب القائمة بالضد من الإرهاب إلا إذا غيرت الحكومات من فلسفتها في الاستحواذ، وأنهت فكرة العزل إلا للمجرمين، وأعدت خططا لتأهيل الجدد، وشرعّتْ قوانين للثواب والعقاب، وبعكسه سنجد أنفسنا أقرب إلى الإنهيار منه إلى إعادة البناء.                 7/10/2005