الانتخابات على الأبواب، ومحاولات السياسيين نفس السياسيين كما هي تتصاعد باتجاه الفوز. ومساعي المفوضية العليا للانتخابات مستنفرة لتحقيقها بأكبر نسب من النجاح. وجهود الأجهزة الأمنية والدفاعية لوزارتي الداخلية، والدفاع تتحشد لتجاوز احتمالات الخرق، والإعاقة، وأعمال الإرهاب. والأخطاء المقصودة، وغير المبررة في بعض جوانبها تتكرر بنفس التواتر والدرجات، وكأن الزمن قد توقف في مجالها عند الشهر الأول الذي جرت فيه الانتخابات السابقة مع بداية هذا العام، أو أن نظام الاكتساب والتعلم في العقل العراقي قد تعطل عمل خلاياه في ذات المجال:  

إذ أن الراصد المحايد يرى دون عناء إن محاولات إبتلاع الصغار من قبل الكبار في الدقائق الأخيرة من الاتفاق ما زالت موجودة، وإن المراقب الواعي يشخص ببساطة إن جلسات إتمام الصفقات في الغرف المغلقة لم تتغير حتى أماكن الجالسين في زواياها، وإن العارف ببواطن الأمور يلاحظ بسهولة فائقة أن المسافة البعيدة بين النوايا وسبل التطبيق في عقول العديد من السياسيين بقيت على حالها ممتدة بسعة تحول دون التطبق، وإن المتتبع الواعي يدرك فورا أن المؤامرات ما فتأت تحاك بين بعض المتنفذين والراشين لعقد الصفقات مع البعض من الموظفين، والمشرفين لتفعيل عمليات الايحاء، والعزل، وإقتناص أصوات المستقلين، وكبار السن، والجهلة والأميين. وإن الوسواسيين والمتشككين بقوا كما هم أيضا لم يتحاوزا شكوكهم في إحتمالات الإضافة والتبديل. والأنكى من ذلك كله أن المزورين الذين حققوا نجاحات في إيهام المفوضية، والكتل السياسية بتقديمهم شهادات أعلى من الحد الأدنى المقبول للترشيح  في الانتخابات السابقة عاودوا الترشح ثانية، ومعهم آخرين تشجعوا من عدم اتخاذ أية إجراءات بصددهم، ومعهم أيضا عسكر لم يستقيلوا من الخدمة حسب قوانين وضوابط الانتخاب، مستغلين تواطئ الكتل، والأحزاب، وكذلك صمت الجمهور وحياء الصحافة في بعض الحالات.

إن المشكلة أو من بين المشاكل الموجودة في عراق اليوم هو عدم قدرة الجمهور الناخب على التفريق بين مساعي البعض غير القليل من السياسيين والمتنفذين لتحقيق الذات الشخصي أو الحزبي" الفوز بأي ثمن" وبين الواجب الوطني لدعم المساعي التي تبذل لإرساء قواعد النظام والديمقراطية في بلد ينمو ويتطور في كل المجالات، وإن المشكلة أيضا في الصمت الذي تعوده العراقيون عبر تاريخ التعامل السلبي الطويل مع الحاكم، والمسئول الذي أكسبهم عادة الفرجة والوقوف على التل في المواقف الصعبة، والمشكلة الأكبر منها جميعا هو إن مسئولية توعية الجمهور وإكسابهم القدرة على التفريق، وكذلك إنزالهم من على التل بغية المشاركة في خطوات البناء تقع على عاتق السياسيين بينهم أولئك المزورين، والمصابين بداء الذات المفرط، الأمر الذي أوقع جمهورنا المتعب في دائرة الحيرة، وصراع الأضداد سوف لن يخرج أحد منها إذا لم يبادر هو نفسه في الخروج عن طريق توسيع هامش الاطلاع، والتثقيف الذاتي، وعدم قبول التجاوز والتزوير وإن كان من القريبين والمحسوبين على ذات الاتجاه، وبالتالي القرار على الأصلح في التمثيل بالبرلمان، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن القبول بواقع الخطأ والتجاوز والتزوير، بقاء في محيط الدائرة المذكور، وهو بقاء من النوع الذي سيدفع ثمنه الجميع بضمنهم المتفرجين، والمزوريين والوصوليين ومرضى الذات...... خسارة للكفاءة والأمانة وفرص تحقيق التقدم، والأمن والاستقرار لأربعة سنوات مقبلة لن يستطيع أحد أن يضمن فيها ذلك أي التقدم والبناء إذا ما تسلل المرضى والمزورين إلى جسم البرلمان الذي سيتحمل مسئولية التشريع لأهم مرحلة زمنية من تاريخ العراق. 

د. سعد العبيدي                                               11/11/2005