وإن لم نستطع أن نعزل المرأة العراقية في مجال المقارنة الإجتماعية بين الأزمنة، عن عناصر أخرى، تحكم السلوك الإنساني في مجتمع مثل المجتمع العراقي، الذي شهد نكوصا واضحا، وردة ملموسة في مجالات عدة تستحق المقارنة والتمحيص، لكننا وإنصافا للمرأة العراقية، سنتناول موضعها، ونحاول العودة بها إلى ما قبل خمسينات القرن الماضي، حيث الشعور بالرغبة في تحدي التخلف، والحصول على الحقوق التي تنصفها إنسانة مثل غيرها، والسعي إلى الخروج من بعض العادات التي قيدتها تابعة إلى رجل يتحكم بكل شئونها في الحياة والموت، وهذه المشاعر والجهود الحثيثة للمرأة آنذاك، ومؤازرة رجال متحضرين، ونسوة في الريادة، كان المجتمع يتلمس يوميا، تطورات في تقدم المرأة بأتجاه التعلم والتحضر، وتحقيق قدر من الاستقلال، والشيئ العظيم الذي حققته آنذاك، وبالتحديد بعد عام 1958، كثمرة لجهودها، وجهود الآخرين، هو قانون الأحوال الشخصية، الذي حاول المشرعون فيه إخراجها من محيط عبوديتها، وتبعيتها، تلتها إجراءات عديدة، قَبِلَ فيها الرجل وجودها زميلة في العمل، وطالبة في الجامعة، ومزارعة في الحقل، وبائعة في المحلات العامة، وقَبِلت هي مستلزمات الدراسة والعمل، ومفردات التحضر، فتركت غطاء الوجه "البوشية" الذي أخفى إنسانيتها، ونزعت العباءة التي قيدت حركتها، ودخلت المسرح ممثلة، ومشاهدة مثل غيرها، فسجلت بذلك أعلى سرعة من بين زميلاتها في المنطقة أو وقفت في مقدمتهن باتجاه اللحاق بالحضارة الإنسانية، التي تتطلب الحياة فيها أن تتساوى المرأة بالرجل في كل شئون الحياة.

إلا إننا نرى وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان، وفي بداية الألفية الثالثة، وعلى العكس من نظريات الحراك الإجتماعي، أننا قد عدنا إلى الوراء حضاريا، وعادت المرأة العراقية معنا أيضا، تقف خلف زميلاتها في المنطقة، اللواتي سبقتهن من قبل، إلى خندقها الأول، مقهورة لا تستطيع أن تقف وحدها بمواجهة من يريد أن يلغي قوانين أحولها الشخصية، ويعيدها سلعة جنسية، وآلة إنجاب عضوية، وماكنة عمل منزلية، وأستسلمت هي من جانبها إلى توجهات الردة الحضارية، فعادت سريعا إلى حجاب ما قبل الخمسينات، ونقاب ما قبل العشرينات، إلى البيت سترا لها، وإلى العزلة تحقيقا لأمنها، وقللت من طموحاتها في الدراسة والعمل، ونسيت جهود ثمان عقود لرائدات حاولن تسليمها راية الكفاوح من أجل التحرر والمساواة، والمؤسف في مجال المقارنة هذا، بروز بعض النسوة في البرلمان اللواتي حصلن على عضويته بفضل القوانين التي فرضها الإحتلال، للمناداة بإلغاء القوانين المدنية، والعودة إلى التشريعات القديمة، التي تفرض بعضها ولي الأمر على المرأة، وتسمح بتعدد الزوجات، والطلاق الكيفي، وقتل الشرف على الشبهة، وكأنهن لسن من جنس المرأة، ولا من بنات هذا العصر. إنها ردة وإن لم تتوقف عند حدود المرأة، لكنها أكثر المتضررين، لأن القائد في مجتمعنا رجل لم يتخلص بعد من رغبته في الإستعباد، فعاد بمحاولاته لإستعبادها، والمشرع رجل، لم يخرج من دائرة غرائزه الجنسية التي تحكم توجهاته في التشريع، فعاد يفتش في القديم ما يناسبه للترويح عن غرائزه الحيوانية، ولأن الرجل من يدعوها إلى الزواج، وهو من يقرر الطلاق، ولأن شهادتها في المحاكم منقوصة، وحصتها في الإرث مصادرة، ورغبتها في التمتع محدودة، فبات سببا في ضررها، وباتت هي من بين الأسباب.

لقد وقع الضرر، ولا مفر من وقوعه، وفي حالته يمكن القول، أنه لا يأمل من السياسة الحالية في العراق أن تقلل من حجمه، ولا يمكن للرجل العراقي المثخن بجراح السياسة أن يبادر للتقليل منه، عليه يبقى جهد التقليل، ومحاولات تفادي بعض تأثيراته عليها وعلى عموم المجتمع الذي يتأثر حتما بأي ضرر يصيبها، من مسئوليتها كصاحبة للشأن بالدرجة الأولى، لأنها إن لم تبادر بالخروج من الطوق الذي وُضعت فيه، تلبية لرغبات الرجل، وقبلت الوجود فيه، تماشيا مع تلك الرغبات، سوف لن يكتب لها الخروج منه عشرات من السنين، وهي وإن لم تعي متطلبات التحضر، وتحاول أن تترك بعض العادات التي لسقت بها في اللبس والخروج والاختلاط، ستجد نفسها باقية في ذلك الطوق سلعة يتحكم في بيعها الرجل، لأغراضه الانفاعلية الخاصة، فتخسر نفسها إنسانيا، ويخسرها المجتمع العراقي الأحوج لها عاملة منتجة، وأم نافعة، وزوجة مشاركة، ومربية فاضلة، وقائدة مضحية مثل غيرها من الرجال.                          

د. سعد العبيدي                      18/4/2010