من حق السياسيين أن يتحركوا بجميع الاتجاهات التي يرونها مناسبة لتوجهاتهم في المجتع الذي يعتقدون أنهم الأصلح إلى حكمه من غيرهم، أو خدمته كما يعتقدون، ومن حق جميع الناس العاديين، والمثفين وغير العاديين، أن يرصدوا تحركات أولئك السياسيين الذين يقومون على إدارة شؤونهم والحكم في البلاد، وتقييم أدائهم لمستوى الانتقاد، وعلى أساس هذا الرصد يمكننا القول:

إن كارثة وقعت على جسر الأئمة بسبب الاضطراب الأمني، وشدة القلق، وضعف التنظيم، وغياب التوجيه، وعدم وجود تنظيمات في جسم الدولة معنية بالتعامل مع الكوارث والأزمات.

وإن مئات العوائل فجعت بفقدان أعزاء من الأبناء، أو الآباء والأمهات أو الأخوة والأخوات.

وإن أهل العراق يمكن أن يتجاوزا محنتهم، ويفوتوا الفرصة على من أراد لهم أن يتقاتلوا طائفيا، تجاوزا حقق فيه أهل الأعظمية عشرات الخطوات إلى الأمام، وسجل فيه عثمان بطولة في ساحة القتال بالضد من الطائفية والارهاب.

وإن السياسيين منهم وقبل أن يشاركوا المفجوعين نقل نعوشهم، والمشي خلفها في التشييع، سارع بعضهم إلى أستغلال الإنفعالات المؤلمة للمنكوبين، وتوجه في الدقائق الأولى لحدوثها نحو الاتهام بالتقصير، وتوجيه اللوم إلى الغير من أعضاء الحكومة والزملاء، قبل أن يتبين التفاصيل، وتسارعه هذا لم يأت في إطار المواساة، وكذلك لم يكون في مجال الإنقاذ ولملمة الجراج، بل وجاء على الأغلب لأغراض سياسية في داخلها رغبة لأن يترك في عقول الناس أثناء إنفعالهم المأساوي معلومات عن تقصير الغير، وعدم صلاحيتهم، وعن قدرته على تشخيص التقصير، وحسن أداءه، دون أن يعلم أنه وقع في فخ نصبه الأعداء نفسيا وأرادوا فيه أن يتفرق جهد الحكومة وسط الأزمة بحيث تصبح غير قادرة على حشد جهدها المتواضع للتعامل مع الكارثة، وهي المعروفة بعدم أمتلاك غالبية أعضائها خبرات التعامل مع الكوارث والأزمات، وأرادوا فيه أن يتحول المعنيون بالتعامل مع الكارثة أمنيا إلى موقف الدفاع عن أنفسهم وسط سيل الاتهامات حتى ينشغلوا عن إدارة قواتهم، وتحريكها لما يمكن أن يقلل من الخسائر، ويحول دون أعمال مسلحة تزيد شدة المأساة.

وسارع البعض الآخر من السياسيين إلى المشاركة الفاعلة في مجالس الفاتحة حتى أقام فيها ساعات على غير العادة، وأرسل البعض الآخر مندوبين لكل المجالس الموجودة، ووقف البعض الثالث مسرورا أمام مشاهد كانت تتكرر أيام حكم صدام عندما يقلب البعض من الانتهازييين، والوصوليين المآتم إلى أهازيج، وأشادة بالحكم، وتبجيل بالقائد، يخرج منها الدكتاتور بجرعات التعظيم، وبتصور خاطئ عن الانسان العراقي الجديد، وهذا تسارع، وحضور أعطى فكرة لعموم المتلقين العراقيين أن المشاركة، والإقامة، والوقوف في تلك المآتم لم يكن بعضها لأغراض التخفيف من ألم الحزن، ولا التقليل من حجم الكارثة، بل وسباق من أجل تسجيل النقاط في عقول الناس حتى في نكبتهم، ومحاولة لملأها بالمعلومات الايجابية عن نشاط وفاعلية وقدرة المعني  يمكن أن تفيده في كسب أصواتهم في المعركة الانتخابية المقبلة، والتي لم يتبق لها من الوقت إلا القليل.  

إن كارثة الجسر مأساة إنسانية بكل المعايير، وأستغلالها لأغراض سياسية بهذه الطريقة الواضحة والمكشوفة أكثر مأساة، لأنها تدلل أننا بتنا نستغل كل شيئ لأغراض المصالح الحزبية الضيقة حتى بؤس الإنسان وشقاءه، وبدلا من التخفيف عنه وحل مشاكله، ودراسة ما يمكن اتخاذه للحيلولة دون تكرار مأساة أخرى شبيهة، نجري سريعا لإقحامه في متاهات السياسة التي أسهمت هي نفسها في توسيع رقعة الماساة.    

د. سعد العبيدي                   9/9/2005