تناقلت الفضائيات وعديد من وكالات الأنباء أحداث البصرة نهاية شهر آذار، وركزت على التقصير المتعمد لقسم من الوحدات العسكرية والأمنية أو بعض منتسبيها في مواجهة العصيان، والتمرد، والخروج على القانون، وأعترف بحدوثها المعنيون باعلى مستويات المسؤولية في الحكومة والأحزاب المشاركة في عمليتها السياسية، وفسروها بضعف التدريب مرة وبنقص التجهيز مرة أخرى، تفسيرا وإن كانت بعض مؤشراته موجودة، ، لكنه تفسير لم يقنع العراقيين أهل الشأن ولا الغرب المعنيين به بحكم التواجد والإحتلال، لأنه يبتعد عن الحقيقة التي تتمثل في أن المؤسسة العسكرية والأمنية مخترقة من مليشيات نقلت صراعاتها البينية إلى محيط تشكيلاتها "الوحدات" فجعلتها قابلة للتفتيت مع أول مواجهة مع إحداها في ميدان الإقتتال.
وإن دوافع التسييس قد زحفت عمدا إلى هذه المؤسسة التي نادى الجميع بأهمية إبقائها بعيدا عن التسييس، ونظريات التبعيث فنقلت إليها أهداف سياسية متعددة الأتجاهات، فغيب النقل في داخلها وحدة الهدف وسموه لحماية أمن واستقرار العراق.
وإن مساعي التدين المسيس قد طالت منتسبي المؤسسة وفتحت أبواب ثكناتها لمن يريد أن يدخل ويلتقي وينظر ويجتهد حتى أضحت مجالا لمد النفوذ، ومسرحا للإجتهاد الفقهي المختلف لزيادة النفوذ، فأضعفت قدرتها المعنوية في مواجهة مواقف الحد من التجاوز والنفوذ.
وإن أمراض السياسة في المحاصصة والرغبة في الأستحواذ قد نقلت إلى جسمها الواهن فتسببت أن توكل المسؤولية القتالية والتدريبية والإدارية في عديد من مفاصلها المهمة إلى ضباط غير مؤهلين عسكريا وفنيا للمناصب التي حصلوا عليها من خلال الكتلة والطائفة والقومية، فقصرّوا في إعادة تنظيمها بسبب نقص معرفتهم بالتنظيم، وفي تهيئتها للدفاع عن الوطن بسبب شحة معلوماتهم الأستراتيجية في الدفاع، وفي تجهيزها لعدم متابعتهم التطورات الحاصلة في مجال التجهيز، وكذلك في قيادة رجالها في الميدان لقلة خبرتهم في القيادة وأعمال القتال.
وإن آفة المحسوبية والفساد قد أصابتها في الخاصرة الرخوة مثل غيرها من الأجهزة والمؤسسات، فنخرتْ في هيكلها ولا أحد يدرك أن النخر في الهيكل ضعف، وأخلتْ في معنوياتها، ولا أحد يعي أن الإخلال بالمعنويات وهن، وحرفتْ ولائها من الولاء المفروض للوطن إلى الولاء غير المحسوب للطائفة والمليشيا، والحزب، ولا أحد يعرف أن حرف الولاء عن الوطن خيانة، بل وسكتوا جميعا عن كل ما يحصل، وعجزوا عن المحاسبة خشية المس بالكتلة والفئة والطائفة والقومية التي يعتقد البعض أنها ضامنهم الوحيد للبقاء.
وإن الإنتهازية داء أصاب عقلها المفكر بالتشتت والحيرة بعد أن وقف في صفوفها الأولى بعض من أولئك الذين أعتادوا كيل المدح للقائد الضروة، والتصفيق للقائد الضرورة، والتدافع للرقص في حضرته لأغراض الضرورة، فتسببوا في وقوفهم ومدحهم وتصفيقهم من جديد في حجب الحقيقة من جهة، وحرمان هذه المؤسسة الفتية من الضباط الجادين المتمكنين الحريصين على إعادة بنائها كما يريد ويحتاج العراق من جهة أخرى.
وغيرها العديد من الأسباب غير القصور في جانب التدريب، تقف مباشرة وراء حوادث التسرب، والإلتحاق إلى جانب الخصم في الميدان، والتردد في القتال، وضعف الدافعية، وقلة المعنويات التي حصلت في بعض الوحدات التي دخلت ساحة القتال البصرية أو التي كانت في الطريق إليها، والتي أخلت بشكل ملموس في قدرة القوات المسلحة على الردع الحاسم، وخدشت سمعة الجيش العراقي التي كونها عبر خبرته الطويلة في القتال، وهي بوجه العموم منبه للحكومة المعنية بإعادة بناء القوات المسلحة إن لم تتنبه إليها وتعالج الأسباب المذكورة وتبحث عن الأخرى غير المذكورة بصولة فرسان داخل هذه المؤسسة العسكرية والأمنية ستجد يوما أن السيطرة قد فقدت وضاع بسببها العراق.