شاعت بعد التغيير في 9/4/2003 عديد من المصطلحات التي تعبر عن واقع حال يعيشه العراقيون حتى أخذت حيزا من تفكيرهم وإن كانت ذات أبعاد سلبية بينها القفاصة، والقفاصة لفظ يعبر عن قيام شخص أو مجموعة أشخاص بالسيطرة، أو التجاوز (قفص) على أملاك الدولة في ظروف الاضطراب على وجه الخصوص، واستغلالها لأغراض السكن وغيره. واللذين يتابعون هذا الموضوع وهم قلة بسبب الخوف من القتل والانتقام يجدون أن القفص أصبح ظاهرة واسعة الانتشار، ومعقدة أو عصية على الحل مثلها مثل الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية التي ستسهم في التمهيد إلى مزيد من أعمال التوتر والاضطراب في مجتمع عراقي يعاني عدم الاستقرار. وما يزيد من تعقيداتها ذاك التعامل الخطأ من قبل غالبية وزارات الدولة العراقية ومؤسساتها مع المعنين بها من القفاصة الذين يشكلون شريحة تكثر فيها الجريمة والمخالفة وخرق القانون، للحد الذي تتفاوض فيه الوزارة التي تملك بيتا أو عمارة قفصت على منحهم مبالغ مقابل الإخلاء، وبدأت الوزارات والدوائر الحكومية في سباق لمنح المبالغ، وبدأ القفاصة مناوراتهم في رفع مستوياتها حتى وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من خمس وعشرين ألف دولار لبيت واحد، وهكذا يزيد المبلغ أو يقل تبعا للموقع والوزارة وثقة القفاص في نفسه بالمطاولة تجاه الإغراء المادي والتهديد السلطوي حتى بات الأمر سياقا أو تقليدا يسير عليه المتجاوزون في عموم العراق وهم عشرات الآلاف، وبات يشكل مشكلة ستترك أثارها الاجتماعية ليس على الجيل الحاكم ومن يعيش زمنه من الأجيال، بل وكذلك على الأمن الاجتماعي للعراقيين ومستقبل أبنائهم لعديد من الأجيال اللاحقة، وهي مشكلة في واقع الحال لا تتعلق بالأموال الطائلة التي تدفعها الدولة لمخالفين ومتجاوزين وهي بأمس الحاجة إليها في التنمية وإعادة الإعمار، ولا بانتقاص هيبتها وهي بأمس الحاجة إلى فرض القانون، بل وبما ستسهم به تلك الأموال، وما يؤدي به ذلك الضعف غير المبرر للسلطة من إنتاج الخطأ وتعزيز السلوك المخالف، إذ إن منح ساكن بيت واحد ذلك المبلغ الكبير على سبيل المثال دون الالتفات إلى أصوله الإجتماعية، وصفحته الإجرامية  يعني أمكانية دفعه إلى توظيف ذلك المبلغ في شراء مستلزمات تكوين عصابة للسطو على بيت أو محل أو بنك، أو إختطاف طفل، أو فتاة شابة كنتيجة شبه حتمية لتفاعل ثلاثة جوانبب رئيسية لانتاج العصابات هي المال اللازم، والاستعداد النفسي المسبق، والاقتناع بفكرة السهولة في الابتزاز. من هذا نجد أن التعامل مع القفاصة بهذه الطريقة سيؤذي الدولة والمجتمع من ناحية، وسوف لن ينفع المعنيين بها من المسئولين وأصحاب القرار سواء بتفادي التهديدات بالقتل أو بالحصول على العمولة المقسومة أو حتى بكسب أصوات الفقراء والمحتاجين في الانتخابات القادمة من ناحية أخرى، لأن إتساع العمل الإجرامي سوف لن يستثن في إتساعه وزيرا أو مديرا تساهل مع قفاص تحوّلَ بسبب ذلك التساهل إلى رئيس عصابة وقاتل مأجور. وتكديس أموال العمولات أو السحت الحرام سوف يزيد من أطماع  العصابات التي كان افرادها في السابق من القفاصين، وكسب أصوات القفاصين وأتباعهم من الفقراء في الأنتخابات القادمة " إن حصلت في وقتها" سوف لن تضمنه الطرق الملتوية لأن كثيرا منهم باتوا تجارا في سوق الابتزاز. وبذا يكون الحل الوحيد أن توقف دوائر الدولة ومؤسساتها هذا الخرق الفاضح للأمن الاجتماعي،  أو أن تأمر الحكومة بإيقافه فورا وتتجه إلى القانون وفرضه بقوة السلاح، لإنها في الواقع بأمس الحاجة إلى أن تعيد هيبة وجودها قبل فوات الأوان .