عاش العراقيون فترة طويلة من زمنهم الماضي لم يألفوا عمليات القتل العمدي والإغتيال إلا لأغراض الثأر، وغسل العار التي تحدث بين فترة وأخرى تكاد المسافة الزمنية بينهما أن تكون ممتدة نسبيا، والسبب في ذلك يعود على الأغلب إلى واحدة أو أكثر من عوامل الردع الآتية:

الديني إذ يحرم الله عز وجل قتل النفس إلا بالحق.

والعقابي حيث يفرض القضاء عقوبات تصل حد الاعدام على القتل العمد.

والإنساني أو الحضاري حيث النظرة إلى إنسانية الانسان قيمة عليا، وإلى وجوده حاجة عامة.

لكننا وبعد التغيير وإنطلاق جل الانفعالات المكبوتة من مكامنها، وتفاعلها مع عوامل السياسة المضللة داخليا وخارجيا في إطار الفوضى والاضطراب بتنا نشهد على حوادث قتل واغتيال شبه يومية، بدأت مع السيدة عقيلة الهاشمي عضوة مجلس الحكم، وأمتدت إلى بعثيين سابقين، وسياسيين وطنيين، وأساتذة جامعيين، وطفيليين نفعيين، ولم تنته بعملية الاغتيال الأخيرة لرئيس مجلس الحكم الدوري السيد عز الدين سليم يوم 17/5/2004.

إن عملية القتل العمدي وسط الشارع العراقي، وأمام المنزل الخاص، وفي أماكن العمل والحياة العامة وبغض النظر عن الدوافع والأسباب التي لم تكن مبررة بأي حال من الأحوال سوف تستمر بسبب تعطل عوامل الردع بجوانبها:

الدينية بعد أن تحول الكثير من أبناء المجتمع العراقي إلى التعامل مع  الدين الحنيف مجرد طقوص لإرضاء الذات وتهدئة الوخز الداخلي للضمير، وتوجه البعض لاستغلاله عامل تحريض للقتل والاغتيال.

والعقابية بعد أن شُلت أدوات فرض وتنفيذ العقاب في فترة تحوّل وانتقال هي الأحوج إلى فرضه شديدا على الجميع، وتسارع البعض إلى التجاوز على سلطة القانون والتوجه إلى الجماعة والعشيرة وأحيانا العصابة لفرض الرغبة الذاتية في حل بينه القتل والاغتيال.

والحضارية بعد أن توقفت معالم الحضارة في بلد عانى طويلا من العزلة والامتهان، ووُضعَ الجميع تحت ضغط التهديد المباشر والنظر إلى الواقع المحيط من زاوية الذات والمصلحة الشخصية التي يسعى البعض إلى تحقيقها من خلال القتل والاغتيال.     

لكن الاستمرار بمسلسل القتل والاغتيال كأحد أسالسيب الرفض والاحتجاج أو كمسرب من مسارب العدوان سوف لن ينه المشكلة، ولن يغير الأمر الواقع، بل وعلى العكس من ذلك سيزيد من وقع المحنة التي يعيشها العراقيون لأنه سيجعل من أرضهم ساحة حرب للارهاب لا يمكن التنبؤ بنهايتها عمليا، ولا بإحصاء عدد خسائر أطرافها، ولا يمكن التكهن أيضا بالآثار الجانبية التي ستتركها على الفرد والمجتمع لعشرات السنين المقبلة. وهي محنة ستضاف من جانب آخر إلى محنهم التي عاشوها طيلة نصف القرن الماضي من الزمان لا تنتهي أو لا تخف شدتها إلا إذ عملوا هم أنفسهم على أن لا تكون أرضهم ساحة حرب جديدة، وأن لايكونوا هم وقودها، وأن يدركوا أن إعادة البناء بعد الهدم ضرورة لا تتحقق مع فعل القتل والاغتيال.