كثير من العراقيين بعيدون عن الفن، والأدب كمعطيات للثقافة في الوقت الحاضر على الرغم من تصنيفهم أعلى من يقرؤون بين العرب قبل ثمانينات القرن الماضي، وُبعدهم هذا لا علاقة له بتعففهم، أو احتجاجهم على نوعية الفن والثقافة التي تعودها غذاء الروح بل  لقربهم من وسط المحنة التي يعيشونها، وانشغالهم بالمصائب التي يواجهونها، ورغم كل هذا الابتعاد عرف  كثير منهم يوم الجمعة 30/3/2007 بالصدفة "عدا الشباب" أنهم أمام حفل للتصويت على ستار أكاديمي، وبين المرشحين شابة عراقية، شذى حسون، انجذبوا إليها بالفطرة الوطنية، وصوتوا لصالحها بدوافع الروح العراقية الحميمة، وتابعوا موضوعها رغبة في تحقيق الذات الإنسانية، ورقصوا معها عند إعلان النتيجة، وحملوا الأعلام العراقية معها بعد التأكد من النتيجة بمشاعر الوحدة العراقية، ومساعي التخلص من الفتنة الطائفية.

إن موضوع الفنانة شذى والمسابقة، وحصولها على اللقب يستحق الخوض في غماره من وجهة النظر التحليلية إذا ما تجاوزنا فيها الثقافة التي أعدمت في العراق بخطوات التجهيل، ومساعي إشاعة التصحر الفكري، والفن الذي هُجرَ وهاجر، ورغبات إفراغ الروح من إنسانيتها، وإبدالها بمشاعر الغدر والعدوان، وعدنا إلى التحليل من زوايا الوطنية، والظروف السياسية التي يمر بها العراق في الوقت الراهن منها يمكن القول أن موضوع الفوز الذي حققته شذى وردود فعل الجمهور العراقي داخل العراق، وخارجه ورفعها العلم العراقي بقوة، ورقص الجمهور في مناطق عربية، وكردية من العراق يدلل على إن العراقيين في الوقت الحاضر يفتشون عن ما يوحدهم أو يخرجهم من المحنة، وإنهم أعطوا سبعة ملايين من أصواتهم لدعم الفنانة، وبما يزيد عن ما أعطوه أو سيعطونه إلى أي سياسي في الانتخابات التي جرت، والتي ستجرى، وإنهم تجاوزوا الطائفية في إعطاء أصواتهم التي أرادوا أن يوصلوا من خلالها إلى السياسيين رسالة مفادها أنهم على استعداد للتوحد مع فنان أكثر من رغبتهم في السير مع سياسي فشل في أن يكون رمزا للتوحد، على العكس من الفنان الذي عزف ألحان أهل العراق، وردد كلمات بلهجة أهل العراق عجز السياسيون عن ترديدها خارج اللكنة الطائفية، والعرقية التي قسمت أهل البلاد. وتدلل أيضا أن العلم العراقي الذي اختلفوا حوله السياسيون والأحزاب، والأقوام قد صفقوا له العراقيون جميعا وصوتوا لمن ستحمله دون أن يلتفتوا إلى ألوانه، وتاريخه.

وتدلل من جهة أخرى أن الوضع في العراق وعلى الرغم من مأساته وصعوبة التعامل معه، وكل الجهد الذي تعطيه الحكومة من وقتها وقدراتها المتاحة للتعامل مع الوضع الأمني الذي غطى على كل شؤون الحياة الأخرى تبقى هناك مجالات وإن عَدّها البعض ثانوية مثل الرياضة، والثقافة، والفن عوامل توحيد للعراقيين، ومجالات إنعاش لمعنوياتهم، وأملهم في حياة يريدونها أن تعود مثلما كانت يصفقون فيها جماعيا لعازف ربابة، وراقصة باليه، ولاعب كرة قدم، وفنانة أجادت على مسرح الغناء أو التمثيل.

إنه موضوع وإن كان عابر في حال العراق الذي تكثر فيه المواضيع المثيرة، لكنه من الناحية النفسية يستحق أن تأخذه وسائل الإعلام الرسمية بنظر الاعتبار، تنقل فيه العراق، وأهله من جوانب الاكتئاب إلى حافات الأمل، ومن الفرقة والتناحر إلى الوحدة والاتفاق عسى أن تسهم من جانبها والفنانين في مساعدة السياسيين لإدراك الحقيقة، ويعملوا لتوحيد العراق.               

د. سعد العبيدي                             1/4/2007