لم يحسم علماء النفس والاجتماع الأصول الفعلية لسلوك العنف واستخدام القوة أو القتل عند الانسان، ولم يقرروا فيما إذا كانت الوراثة هي المسئول الأول في نشأته وتعزيزه في النفس البشرية أم البيئة هي المعنية بوجوده وترسيخ دعائمه، لكنهم ومع ذلك الاختلاف أتفق غالبيتهم على إنه نتاج تفاعل للوراثة والبيئة في آن معا أي ان من يقوم بتنفيذ فعل القتل لإنسان خارج سياقات الدفاع القسري عن النفس، يكون قد فعل ذلك على الأغلب نتيجة لما موجود في جيناته من استعدادات لاستخدام العنف تفاعلت في ظروف الحدث ( وقت إرتكاب فعل القتل ) مع المترسب في تركيبته النفسية من معايير متدنية عن إنسانية الانسان تعلمها المعني من محيطه الاجتماعي، وقيم اجتماعية سلبية يراها ملائمة للتعامل مع موضوعه من خلال بيئته الاجتماعية، وميل  لاستخدام العنف لحسم موضوع الصراع مع الغير خبرها بالتكرار في حياته العملية، وهذه مسلمة عند النفسانيين أو غالبية مدارسهم الحديثة تفسر إلى حد ما الذي يجري في العراق حيث التوجه السريع لاستخدام السلاح حد إطلاق النار على المقابل لإمور لا تستحق إحيانا حتى العتاب الشديد تطورت مع الأيام عندما غابت السلطة الحكومية الضابطة كعامل ردع وتقويم، وتصدعت السلطة الأبوية كعامل ضبط وتوجيه، وسمح عمدا أو دون عمد ببقاء السلاح في حوزة الانسان كوسيلة للدفاع وحسم الصراع حتى وصل الأمر أن يقتل حارس مدرسة أحد أولياء الأمور وولده الصغير لمجرد إصرار الأخير أن يدخل إبنه المتأخر عن الحضور إلى الحصة الأولى من الدروس، ويقتل سائق سيارة شرطي المرور الذي حاول منعه من السير في الطريق الخطأ، ويطعن بائع خردة زبون أحتج على السعر الذي وضعه أضعافا لما هو مألوف، وينحر دائن جار له لم يستطع إن يوفي بدينه بسبب السيئ من الظروف، ويحرق شاب بيت بن عمه الذي ضن أنه من وشى به عند السلطات المعنية لمتاجرته بالمخدرات، ويرمي أخ بيت أخاه بالرمانات اليدوية لمسعى الأخير تقسيم الورث والموجودات .... الخ من أعمال القتل التي زادت نسبة تكرارها في العراق أي مجتمع من المجتمعات البشرية في العصر الحديث، مما يتطلب التوقف عندها كثيرا ليس من قبل المختصين لتفسير ما آلت وما ستؤل إليه ظاهرة ستسحب المجتمع العراقي إلى مزيد من الخراب، بل وكذلك من قبل الأباء والأمهات والوجهاء والمربين، والأحزاب والسياسيين، ومنظمات المجتمع المدني، والأهم منهم جميعا وقفة الحكومة التي ينبغي أن تكون سريعة عند مسألة السلاح وسياقات ترخيصة، والمناهج الدراسية وضرورات إعادة النظر بمحتوياتها، والعيادات النفسية ومسألة توسيع رقعتها، وعقوبة الاعدام ووجوب تطبيقها، وأجهزة الشرطة وأساليب اختيارها وتدريبها، وكذلك عند مفردات وأجهزة الاعلام، ومعايير النزاهة وجوانب التوظيف، ووقفات أخرى غيرها فرضتها ظروف التغيير، وحل الأجهزة االضابطة، وتدمير البنى التحتية، والسماح بانطلاق المكبوت من الانفعالات السلبية، إن لم تقفها الحكومة سريعا ستجد وأبناء العراق أن لا فائدة من دعواها إلى الديمقراطية، ولا أمل في مساعيها لفرض الأمن والاستقرار،  ولا جدوى من كل إجراءاتها لتغيير ضوابط إدارة الدولة والمجتمع بما يلائم العصر الحديث، وستجد ومن معها أو تعاطف وإياها أنهم جميعا سيدفعون ثمن العنف الذي سمح به، عندها ستعجز هي أو من سيحل بعدها بإعادة الأمور إلى سابق العهد عندما تعم الرغبة بالقتل عند الغالبية من أهل العراق.

د. سعد العبيدي  

                                      11/11/2004