أكتسب العراقيون وبينهم العسكر خصائص وصفات، لا تنسجم وتاريخهم العريق، وأنواع من السلوك لا تعكس طبيعة عيشهم وأسلوبهم في التعبير، أختلط قسم منها أو تفاعل مع ما تبقى من التراث والعادات والتقاليد، وجنون العظمة للحاكم الفرد ورغباته الجامحة في العلو والتاليه، وإثبات الوجود فانتج حالات هستيرية يجد فيها المرء بحضرته أي الحاكم أو من يمثله أنه منساقا مع غيره في تأدية الرقص، أو الهوسات، بطريقة توحي وكأنه غير قادر على التحكم بمخارجها، وإن كان شيخا لعشيرة يدعي أنه من علية القوم ومهيوب. أسبابها النفسية لا تتجاوز الرغبة في أن يستثمر ذلك الشيخ، أو المدير العام، أو رئيس الجمعية وعضو القيادة الفرصة لأن يستجدي رضا الحاكم، ومكارمه، ويتفادى غضبه بأي حال من الأحوال.  

وأنتج أيضا أنواع من السلوك يستعرض فيها الفرد قدرته على الإقناع، وتقديم فروض الطاعة والولاء، يتدافع فيها مع الآخرين بقصيدة شعر رخيصة، أو أهزوجة يتيمة، أو بطولة في معركة خاسرة. دوافعها النفسية لا تتعدى الرغبة في ان يستغل ذلك الشاعر أو الوزير، أو الضابط وهم الحاكم في إنه الأكبر، والأعظم فيحصل على مكارمه بمستوى قدرته على الإيهام، ويتفادى عقابه في أحسن الأحوال.

إنها حالة، ونوع من السلوك محصلتها خسارة للقيمة الاعتبارية، وتغليف للسلوك يبعد المجتمع بالتدريج عن الواقعية، ويسحبه بالتدريج أيضا إلى التسويف واللا إبالية وعدم الالتزام، ومع ذلك فإنها خسارة إجتماعية في مسيرة الشعوب غير المتحضرة، لم ترق آثارها السلبية إلى مستوى الخسارة التي تتكبدها العسكرية، عندما يرقص منتسبيها من المراتب، والضباط، والقادة، في استعراض لبطولاتهم الوهمية أمام الحاكم الأعلى، لأن الراقص من الضباط يفقد هيبته في السيطرة، وإصدار الأوامر بعد أن أسهم هو شخصيا في تغيير النظرة إليه من قائد في ساحة الحرب، والتدريب إلى راقص على مسرح السياسة غير المضمون، والراقص منهم أسهم أيضا في التقليل من قدرته على إيقاف رقص منتسبيه عندما لا يحتاج إيقاعاته في ساحة القتال. ولأن الراقص من ضباط الصف والجنود، يتوجه برقصه إلى كسب ود الأعلى على حساب رضا الآمر المباشر بطريقة تخل بالعلاقة الضبطية بين الطرفين، ولأن حركاته في الرقص تـأتي على الأغلب لأغراض الكسب، والتغطية على معالم النقص في القدرة والأداء، ومحاولة لإبعاد القائد الأعلى عن التدقيق بها، والاستفسار عن معطياتها، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن أول حالة رقص إيقاعي للعسكر العراقي كانت مع بدايات الحرب مع إيران يوم تصدع الضبط، وهبطت المعنويات، وتردى مستوى الأداء، وإن أولى حالات الرقص الجماعي للضباط القادة كانت قبيل الحرب الأخيرة التي لم يمتلك فيها العسكر أية مستلزمات قتال.

إن العسكر يمكنهم التعبير عن حالهم بالاستعراضات العسكرية، والتدريب وتقديم الايجازات، التي تسهم جميعها في إعدادهم مهنيا ونفسيا لأن يكونوا مقاتلين أشداء في ساحة الدفاع عن وطنهم، كما هو حال الجيوش التي تحضى بالتقدير والاحترام،  وليس بالهوسات، والدبكات، والرقص الجماعي، التي عاود ممارستها عسكرنا الجديد بطريقة تذكرنا بأيام كان فيها العسكر فرقا تؤدي مهام إنعاش المعنويات المضطربة للحاكم، أكثر من توجهها للدفاع عن البلاد، فأسهمت من حيث لا تدري بالحال الذي وصلت إليه البلاد.

إنه عود غير محمود نأمل أن لا يقبل حصوله السياسيون، وأن تتنبه إليه القيادة العامة للقوات المشتركة، والقادة الميدانيون ويمنعوا تكرار حدوثه قبل أن يجدوا أنفسهم على رأس فرق لا تستطيع القتال.     

د. سعد العبيدي                                  16/9/2005