مرت أيام على الرقم المسجل عالميا لغيرنا تأخرا في تشكيل الحكومة، وتسجلَ في الموسوعة الخاصة بالأرقام القياسية أن العراق هو الأكثر تأخرا في مسألة تشكيل الحكومة من باقي المجتمعات البشرية التي أخذت بالديمقراطية نهجا في إدارة الدولة والمجتمع، وبعد أن مر التاريخ وتسجل الحدث، حري بنا أن نسأل عن مغزى التسجيل في مجتمع متخلف بالمعنى الصريح، لا يعير الأرقام إهتماما، ولا  يهتم بالإحصاء أساسا، إلا بالقدر الذي يكون فيه الرقم المتحصل عامل نفخ لذاته المصابة بداء التضخيم. ذلك الداء الذي أبتلينا به من سالف زماننا، ومن غابر عصورنا، الذي أنتقل الينا من أجدادنا المهادنين، المادحين، الراضين، وأحيانا المنافقين، المصابين به حتما، إنقالة عن طريق المحاكاة والتقليد، تركنا بسببها متطلبات حاضر يحتاج الدقة في الترقيم والنزاهة في الإحصاء، إلى عالم وهم لا أرقام فيه إلا ما يقع ضمن محيط التضخيم: معملا هو الأكثر إنتاجا في شرق العالم وغربه وما زال في طور التخطيط، ورئيسا هو الأعظم شأنا في العالم، رغم عقود له في الهدم والتخريب، وجيشا هو الخامس كبرا في العالم وأداءه لا يتعدى التصنيف الأخير، وحزبا هو الأحرص من باقي الأحزاب، وأخطاءه تشل البلاد، ووزيرا هو الأنزه، وأفعاله السلبية تزكم الأنوف، وغيرها مقارنات تجري مع المحيط الآخر والعالم الآخر، مرهون نشرها وتداولها والتغني بها بما تقدمه من نفخ وتضخيم، سمحت للعقل المرهق على مر السنين، أن يسرح بنا في خيال لم يعد موجودا في الواقع بقصد التهدءة والتخفيف، أو أن يهيم بنا في في عالم وهم بعيد عن الواقع، للتخلص من معاناة فشل الحاضر، حتى تخدرت أجهزة تحسسنا للخطأ، وعميت أبصارنا في النظر إلى التجاوز والخطأ، ولويت طرق بحثنا بإتجاه تصويب الخطأ.

هكذا كان الأمر منذ آلاف السنين، تعظيما وتبجيلا وإشادة، ونكرانا، وتجاوزا، وغضا للبصر، وهروبا إلى الأمام، صَبت جميعها في مجرى التضخيم، وبمرور الوقت وإتساع هامشه في داخلنا خسرنا حاضرنا، وتهدد مستقبلنا الذي سنخسره حتما ما بقي هذا الداء فاعلا في عقولنا، وهو باق مؤشراته كثيرة في واقعنا الحالي، شيخا عاود رقصه ثانية، وفلاحا عاود غشه ثانية، وأستاذا لبس جبة جديدة تنسجم مع الواقع الجديد، وشرطي أوغل في الرشوة بطريقة لم تكن معهودة، وسياسي يرى نفسه هو الأخلص من غيره. بسببها وخصال أخرى سيمر حدث التسجيل أي الرقم القياسي للتأخير في تشكيل الحكومة مرور الكرام، وسنجد له الكثير من التأويلات، وسيظهر من بيننا سياسي يبرر حدوثه حتما، وباحث يعزز أفضليته وجوبا، وشاعر يشدو بوجوده لزاما.... حالة فريدة نتميز بها دون غيرنا، تجعلنا نتفوق على العالم ولو بالخيال.

سيمرُ هذا الحدث كما مرت غيره من أمور، على العكس من ما هو مفروض، في أن نقف عنده جميعا نعيد حساباتنا في أختيار من هو أنسب لا يثير أختياره خلاف يطول أمده، ونركز على الطريقة الأفضل في أنتخاب لا يسمح أعتمادها بكثر الاجتهاد الذي تتعدد أوحهه، ونُصرُ على تعديل مواد الدستور بصيغ أخرى لا تحتمل الخرق الذي كثرت أصوله، وأن نسعى لإيجاد صيغة نظام سياسي جديد يرضى فيه الجميع بقدر مقبول لا يثير التوتر والاضطراب، ويتقيد فيه الجميع حاكم ومحكوم بضوابط القانون والدستور التي تبعد البلاد عن التأزم وعدم الاستقرار، وتتوع على أساسه الثروة بطريقة إنعاش للاقتصاد في جميع المدن والمحافظات تجنبا حالة العوز والافتقار، والأهم من هذا وذاك تخلصنا من هذا الداء الذي شل ومازال يشل قدراتنا، وبعكسه إي إذا لم نتوقف عنده، سيكون الرقم الذي تسجل عالميا دون معنى، وستعقبه أرقام أخرى في جوانب الفشل والتقصير، والتخريب، والتأخير، والتهميش، تحول دون تغيير واقع العراق، وقد تبقيه في حال من الاضطراب تدفع به لأن يكون عراقا غير هذا العراق.


                                                                                                د. سعد العبيدي

                                                                                                 2/10/2010