عندما يتوجه العسكر لمقاتلة خصمهم في ساحة المعركة يعمل قادتهم بمبدأ حشد الجهد، والذي يدفعوا على اساسه بجميع المفاصل وهيئات الركن للعمل باتجاه تحقيق الغاية التي يقاتلوا من أجلها، ويستخدموا على اساسه أيضا كل المتاح من الإمكانيات للمساعدة في تحقيق الهدف الذي هاجموا أو دافعوا في معركتهم لتحقيقه. وعندما تتخذ دولة ما قرارا لافتعال أزمة أو خوض معركة سياسية بالضد من دولة أخرى يعمل كل المعنيين في جهازها وتستنفر كل القدرات الموجودة لتصب جميعها بما يضمن نجاح تلك المعركة لصالحها وبأقل الخسائر من مصالحها، وهذا المبدأ أي حشد الجهد عسكريا وسياسيا يعني التطبيق الصحيح لجوانبه استثمار كل الامكانات المادية والطاقات البشرية المتاحة من أجل التأثير في المعركة القائمة باتجاهين: الأول إيجابي قوامه دعم أفراد الجيش أو الطاقم السياسي ومنتسبي الحكومة ماديا ومعنويا ليكونوا بمسافة اقرب إلى تفكير وتوجهات الشخص الأول في سلسلة إصدار القرار وأن ينفذوا بمستوى أداء أحسن لأوامره. والثاني سلبي مؤداه العمل على تقليل معنويات أفراد الخصم وتدمير قدراتهم المادية ليدفعهم أن يكونوا بمسافة أبعد عن رغبات وتوجهات مراكز قرارهم، وأن يؤدوا بمستوى أقل كثيرا من متوسط أدائهم. إنه المبدأ الذي سارت عليه الجماعات منذ التأسيس الأول لوجودها المنظم، وعمل على وفقه المتقاتلون منذ الاستخدام الفعلي للسلاح جماعيا، واستمروا كذلك يضعونه أعلى مبادئ إدارة الصراع في ساحتي الحرب والسياسة حتى عصرنا الحالي الذي تكونت فيه كتل وتحالفات وأصبح القتال بالصواريخ عابرة القارات وبالليزر والأشعة تحت الحمراء، باستثناء العراق الحالي الذي لم تشأ فيه الحكومة أن تفكر في مثل هكذا مبادئ يمكن أن تساعدها في إدارة صراعها مع الخصوم في الساحة السياسية والعسكرية إذ وبدلا من أن يتوجه أعضائها إلى حشد جهودهم ويوحدوا مواقفهم المعلنة من قضايا بات الحسم فيها أمرا صعبا، والانسحاب من ساحتها انتحارا مؤكدا، توجه البعض منهم إلى النقيض من ذلك والعمل بمبدأ الجوقة غير المنسجمة التي توحي لمؤيديها وخصومها في آن معا وكأنها غير موحدة في توجهاتها أو غير قادرة على حشد جهدها، ومن خلالها نشاهد ما جرى في التعامل مع الأزمة الحاصلة مع إيران على سبيل المثال عندما يضعها وزير في مصاف العدو الأول، ويضعها آخر في نفس الحكومة من بين الأصدقاء الحميمين المطلوب تقوية أواصر العلاقة معهم، فيدفعون كليهما الحكومة إلى الوقوع في حرج سياسي والشعب برمته في تناقض معرفي، ونشاهد ما يجري أيضا في موضوع المواجهة العسكرية مع جيش المهدي الذي يصف البعض من الوزراء أفراده بجماعة من الأوغاد ينبغي القضاء عليهم بكل الوسائل المتاحة، بينما يحاول مسئول آخر في الحكومة ذاتها الاحتجاج على أستخدام القوة بالضد منهم والدعوة من موقعه الأعلى إلى الانسحاب من المعركة خارج ساحتها فيتسببون بمواقفهم هذه ضررا معنويا للمقاتلين في ساحة المعركة، وإحباطا نفسيا لعموم المواطنين، وبالمحصلة عدم الاستفادة من الامكانات المتاحة للبلد في التعامل مع أزمات شديدة، وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره في إطار الاختلاف الشرعي للأفكار في مجتمع يعيش أهله حالة من التشتت لا يجدي فيها الاختلاف، كذلك لا يمكن تفسيره في مجال التفاوت الطبيعي للاجتهاد في وقت يجتهد فيه الجميع دونما فائدة من تعدد الاجتهاد. ولا يمكن تفسيره عملا في الديمقراطية والديمقراطيون يتوحدون مع رأي الحكومة في الأزمات أو يتركون مواقعهم لمن يؤيدها عمليا، مما يدفع إلى القول إن فعل الجوقة الذي تسير عليه الحكومة أو بعض أعضائها تجني على أحد مبادئ الحرب والسياسة يفسر بقلة الخبرة أو بالسعي الوهمي لكسب أصوات الجمهور لما بعد المرحلة الانتقالية دون أن يدركوا أنهم بتناقضاتهم هذه قد يرهقوا الجمهور ويدفعونه لأن يكون غير قادرا على منح صوته لهم منطقيا.

د. سعد العبيدي                  13/8/2004