لقد اثار التشريع الخاص بشراء سيارات مصفحة الى السادة اعضاء البرلمان زوبعة في العقل العراقي، وهي وإن هدأت بعد العدول عن أصل الموضوع وبعد أن تنصلت جميع الكتل التي صوتت لصالح الشراء عن تصويتها، وبعد أن نأى كل البرلمانيين المصوتين عن اصول تصويتهم، وكأن كتل قد جاءت من خارج البرلمان هي التي صوتت، أو ان اشخاص من خارجه قد دخلوا لحظة التصويت وقاموا باللازم في غفلة عن المصوتين الاصليين. ومع هذا الهدوء لهذه الزوبعة العابرة في سماء الزوابع العراقية، فإنها ستترك آثارا سلبية على الحالة النفسية للانسان العراقي الذي يُعَد العمود الاساسي في البناء الديمقراطي الذي لم يكتمل بعد. ومن هنا ومن ساحة الخروقات الامنية غير المستقرة، وعدم الرضى الشائع عن الحال، وبقايا التناحر الطائفي الذي انحسر نارا تحت الرماد، يمكن توجيه سؤال الى السادة أعضاء البرلمان قبل توجيهه الى السيد رئيس البرلمان: لماذا التفكير أصلا بموضوع الشراء قبل الاخذ بالاعتبار الظروف النفسية القلقة للانسان العراقي، والحالة المالية والامنية الحرجة للبلاد ؟. سؤال لو افترضنا مقدار التأثير العام لخسارة الانسان العراقي على اعادة بناء البلاد معيارا للمقارنة بين البرلماني وغيره من باقي العراقيين، ونبدأها أي المقارنة من الطبيب الاختصاصي الذي يدرس الطب ويعمل فيه عشرين سنة حتى يصبح متخصصا، من هنا تصبح خسارته مكلفة تفوق كثيرا الكلفة التي يتسبب بها غياب برلماني لاي سبب كان، وبالتالي يكون مستحقا للحماية بما يفوق استحقاق البرلماني غير المتخصص بكثير، لان خسارته لا تعوض ولان الزمن الذي يحتاجه البرلماني للوصول الى كرسي البرلمان لايساوي 1% من الزمن الذي يحتاجه الطبيب. واذا ما وضعنا الاستاذ الجامعي مع الطبيب، سنجد دون شك أنه يستحق الحماية كذلك أكثر من البرلماني لان الوقت الذي يستغرق المرور عبره للاستاذية لا يقل عن الطبيب، وموته الغادر خسارة لا تعوض وجوده كما هو حال الطبيب، في حين يمكن تعويض البرلماني بآخر من نفس القائمة والحزب بنفس اليوم. وهكذا تستمر قائمة المفاضلة المنطقية لتشمل القاضي والصحفي والمهندس والمدرس والفنان والكاتب وغيرهم ممن يحتاجون زمنا وجهدا نوعيا يوصلهم الى المنزلة التي وصلوا اليها منتجين متخصصين لايحتاجه البرلماني باي حال من الاحوال. ثم انهم جميعا يمكن ان يكونوا برلمانيين في الوقت الذي لا يمكن لعضو البرلمان ان يكون أي منهم اذا لم يكن في الاصل من بين المجال الذي هم فيه. سؤال لو تجاوزنا في مجاله المقارنة لما يتعلق بالتكوين التخصصي، وأهملنا ما له صلة بالروح التي يتساوى فيها الناس امام خالقهم، وانتقلنا الى خانة التأثيرالسلبي لهذا التشريع على الاقتصاد وعلى المشاعر والمعنويات، منه يمكن القول أن البرلماني وان احتاج فعلا الى حماية مصفحة بالاضافة الى الحماية البشرية التي تتكون من ثلاثين فردا ليتسنى له القيام بمهامه كما يجب، إلا ان الوضع الاقتصادي العام للعراق لا يتحمل مثل هكذا مصاريف يستحسن ان تخصص لبناء سكن الى الفقراء او انشاء معمل او ردم جميع الحفر والتشققات الموجودة في الشوارع وغيرها. وعلى هذا واذا ما اضفنا له حقيقة ان البرلماني الذي رَشحَ نفسه طوعا الى خدمة الشعب يفترض ان يتحمل اعباء خدمته التطوعية، تضحية يكون فيها بالمقدمة، فان التاثير السلبي لهذا التشريع سيكون شديدا على مشاعر الناس التي صدعها القلق المستمر وعلى معنوياتهم التي انهكتها هموم العيش. سؤال حرج اجابته المنطقية لا تتعدى ان البرلماني الذي شرّعَ لنفسه هذا القانون لم يحسب مشاعر ناخبه، ولم يضع بالاعتبار ان مثل هكذا تشريعات ستخل بالبناء الديمقراطي الذي يحتاج الى التضحية قبل كل شيء، ولم يحسب أن العدول عن المشروع قبل تنفيذه سيضعفه أما أهل العراق، وهم في الطريق الى تكوين صور عقلية عن البرلماني الذي ينفعهم في الضيق..... والاهم من هذا وذاك هو ان الشعب المنهك انتصر في معركة سياسية معنوية على ممثليه قد تسحبه الى مزيد من الانتصارات التي تؤطر له ساحة سياسية يكون فيها هو اللاعب الاصيل.