تأسس الجيش العراقي عام 1921 بأشراف الأنجليز وكُلفَ بتأسيسه ضباط عراقيون لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليد سبق وان عملوا مع الجيش العثماني، سعوا بجد لنقل بعض التقاليد العسكرية العثمانية في مجال الضبط والأحترام، والسياقات العسكرية الأنجليزية في التعبية وأدارة فنون القتال، لم يدرج أحدهم أسمه في جداول الترقية قبل الاستحقاق، ولم يرسل أحد منهم أبنه موظفا في الملحقيات العسكرية أو دارسا على حساب الجيش أو موفدا في الدورات التي تفتح في الخارج والسفرات الخاصة بلا مهام، فاعترفت لهم الدولة بالعرفان لجهودهم وأمانتهم وأخلاصهم في البناء المهني، واشادت الأجيال المتعاقبة من الضباط والمؤرخين العسكريين بمهنيتهم ونزاهتهم، فأستحقوا أن يكونوا بناة الجيش العراقي الحقيقيون. واليوم وبعد أن حُلَّ ذاك الجيش الذي حرَّفهُ النظام السابق وأخَّلَ بقيمه ومعاييره الضبطية والمعنوية لم يعد الوقت مناسبا للخوض في دوافع حله، ولم يكن مفيدا كذلك في مجال أعادة البناء، وبدلا من ذلك على المعنيين "العسكر والسياسيين والبرلمانيين المسؤولين عن تعزيز الديمقراطية" التمحيص في سلوك المسؤولين عن بناء هذا الجيش المكلف بأسمى واجب وطني لمكافحة الأرهاب، وذلك لكثرة التجاوزات التي تعيق هذه العملية، نورد على سبيلها مثلا واحدا يلقي الضوء على حجم التخريب والهدم قد يكون بعضه مقصودا، هو ما يتعلق بالترقية والرتب العسكرية التي تمنح بالمجان إذ وبعد كثر الأنتقاد الموجه لسلوك البعض من السادة وزراء الدفاع في منح الرتب العسكرية جرى أخيرا العودة إلى نظام جدول الترقية الذي أرسى قواعده بناة الجيش الحقيقيون ويحاول تسفيهه والتحايل على ضوابطه بعض الضباط الذين أعدوا قوائم الأسماء وأدخلوا فيها ضباط لم يَستَوّفوا المدة الأصغرية للترقية، وضباط لا يسمح بترقيتهم أكثر من رتبة عقيد من المجندين والأحتياط، وحشروا معهم آخرين يراد ترقيتهم إلى أعلى الرتب العسكرية دون وجود ملاك وعلى الرغم من حصول بعضهم على أربعة رتب متتالية خلال الأربعة سنوات من السقوط دون أن يقدم شيئا مميزا لخدمة الدولة العراقية، وآخرين وصفوا بخدمتهم المميزة في الجيش السابق حتى يوم السقوط.  

إن الرتبة في جيوش العالم شهادة تمنح بقانون بعد فترة زمنية وأمتحانات ودورات تُؤهل إلى الأعلى منها، وهي خبرة تعين الضابط على قيادة المنصب وبما يتلائم والرتبة الجديدة، تلتزم بمعطياتعا القيادات العسكرية وتعزز الدولة هذا الألتزام ... واقع لم يكن موجودا في جدول الترقية المذكور حيث السرعة في البت وكثر التوسط في إدراج الأسماء، والتجاوز على الضوابط والاستحقاق مما شكل وضعا أو خللا سوف لن تنعكس أثاره السلبية على إدارة المناصب، وتهديم أعمدة البناء الرئيسية للجيش الجديد فقط، بل وسيثير عدوانية العديد من الضباط الذين لم تدرج أسمائهم وهم مستحقين، وحنق الكثير من الساعين إلى الحصول عليها خارج أطر الأستحقاق، وزعل باقي ضباط الجيش الساعين إلى إرساء قواعد مهنية للترقية وأعادة البناء.

إن بناء الجيش يحتاج إلى عظماء وليس متسولي رتب والسحت الحرام، وإلى سلوك القدوة ومعنى الحياء، وليس قنص الفرص والضحك على الذقون، ويحتاج إلى التواجد في مفاصله  العليا من يحمل الشجاعة والوطنية العراقية، ولهيئات ركنه المتقدمة  من يوصف بالنزاهة والدقة والمهنية والحيادية في تقديم المشورة، وبعكسه سيؤدي منح الرتب بهذه الطريقة إلى أن يكون الجيش العراقي الجديد جيش ألوية وفرقاء مُستَغلّيِن وطبقة مقاتلين دنيا مضطهدين يثير التوتر أكثر من المساهمة في إرساء قواعد الاستقرار، وسيوصف من أقترح وسعى وناقش في هذا الجدول بالمخرب لأنه أرسى أسس بناء قابلة للأنهيار، وبالمتآمر لأنه أوهم القائد العام بمعطيات غير صحيحة أستند عليها بالتصديق قد يكون القصد منها إحراجه وزيادة النقد الموجه لحكومته في ظروف تتطلب حشد الجهد العسكري لدعمها في ساحة القتال، وتتطلب أن يفهم السياسيون أنه لا يكفي لأي بلـد فــي عالمنا المعاصر أن يكـون مؤثرا بأمتلاكه أقتصاد قوي وثقافة مشعة، وديمقراطية حازمة، دون جيش قوي يضعه في مرتبة محترمة بين الأمم والشعوب.

د. سعد العبيدي                               19/8/2007