كانت إدارة الدولة والمجتمع معظم الفترة التي حكم بها صدام العراق سيئة بكل المقاييس، وكان هو على الرأس ومن بعده أفراد عائلته ربما الأسوأ من بين جمع تربع على كرسي السلطة وتسنم مقاليد الأمور لثلاث عقود من الزمان، لكن صدام وولديه الذين لم يعترفوا بسوء سلوكهم شخصيا نتيجة لإصابتهم بداء العظمة واختلال الذات اعترفوا أكثر من مرة أن هناك معالم سوء وفساد في جسم الدولة العراقية حاولوا تطويق بعض حلقاته في المفاصل المهمة لكنهم لم ينجحوا بسبب عدم قدرتهم على تقديم أنفسهم مثالا للسلوك الصحيح، وكذلك بسبب عدم تمكنهم من أن يكونوا قدوة للغير في التعامل القويم، فانسحبت البلاد تدريجيا إلى الهدم حتى فقد صدام وعائلته السيطرة وانتهى إلى الأبد مع تدمير العراق. ومع ذلك المستوى الشامل من الخراب لم يجرأ أحد من حزبيي الدرجة الأولى أو الثانية ومن موظفي الخط الأول وحتى الأخير على سبيل المثال أن يجلس في حديقة نادي الصيد كما جلس أحد السياسيين الجدد وحيدا في شمس الشتاء وعلى طاولته زجاجة ويسكي ينتظر الغداء ومن خلفه اثنان من حرسه الشخصيين يحملون الغدارات، وعلى أعينهم نظارات سوداء داكنة، يلتفتون شمالا ويمينا في حركات يتحدون فيها من يمر قريبا من الأعضاء، ويفسحون فيها المجال إلى قائدهم أن يتأمل معنى الانتصار على الظلم في العهد الجديد. ولم يجرأ أحد من زمن صدام " عدا الابنين المدللين" أيضا أن يدخل النادي المذكور ليلا كما دخله أحد السياسيين الجدد ليلة الأربعاء قبل أسبوعين ليجلس بين الجالسين أو قريبا منهم وأفراد حمايته الخمسة يشهرون أسلحتهم وأصابعهم على الزناد يتجولون بين مجاميع الأعضاء والضيوف وكأنهم في تجوالهم وتحركهم وإهانتهم لمن يكون في الطريق يوجهون الاتهام للموجودين من أعضاء النادي والضيوف أو يشكون في نواياهم باستهداف الأمن الشخصي للسيد المسئول. لقد حير الأمر كل من قصد النادي هاربا من هموم الحياة واضطراب الأمن، وكل من تأمل نهاية المأساة في الزمن الجديد، وحوّرَ النقاشات الجارية فيما بينهم وكذلك تطلعاتهم من الأمل بمستقبل أفضل بعد رحيل صدام ونظام حكمه الفاسد إلى التفتيش عن الأسباب التي تدفع البعض ممن قاتله وأعترض على سلوكه الخطأ إلى ارتكاب ذات الأخطاء أو أخرى لا يقل تكرارها خطورة عن تلك التي كانت ترتكب في عهده المقبور. وفي ثنايا النقاش بجلسات كانت على العموم قصيرة نسبيا اتفق المهمومون على أن طبيعة الإنسان هي التي تحدد سلوكه في محيط يساعد على الخطأ أو يحول دون حصوله، إذ إننا نجد وفي ذلك الزمان الذي فتح فيه المجال واسعا أمام الخطأ والتجاوز العمدي بهدف الإذلال والسيطرة النفسية بقيّ البعض نزيها حتى آخر يوم قبل السقوط، ونجد كذلك في هذا الزمان الذي يسعى العراقيون أن يكون زمنا للحرية والعدالة والمساواة والنزاهة وإعادة البناء الديمقراطي بأقل ما يمكن من الأخطاء قد تحول بعض دعاته إلى مفسدين يستهينون بإنسانية الإنسان العراقي المتعب. وحصيلة النقاش تأكيد من قبل الموجودين على أن ما جرى في الحالتين المذكورتين وعشرات أخرى مثلها مؤشر يبين أن الزمن الجديد وبالتحديد المعنيين به لم يضعوا في حسابهم حتى هذه اللحظة أن هناك أخطاء ترتكب سيمهد تكرارها إلى المزيد من التدمير، ولم يدركوا أن المقاتل الشجاع في ساحة الحرب ضد صدام قد لا يصلح أن يكون سياسيا ناجحا أو قائدا مثاليا، ولم يتعضوا من خطأ حزب البعث وصدام يوم ساروا على فلسفة أن للإسهام في التغيير ثمن هو الحكم في معادلة لم يستطيعوا على أساسها المحافظة على وجودهم والحكم، والأهم منها جميعا أن نظام لم يكن فيه المسئولون السياسيون، والإداريون قدوة في التضحية، والاستقامة، وتحمل المسئولية سوف لن يكتب له البقاء.            

18/6/2004