لو رجعنا إلى الماضي القريب إلى أيام الحرب الأخيرة، وسقوط بغداد، ورحيل الدكتاتور، والتغيير، ودققنا قليلا في بعض القرارات، لوجدنا أن خطأ جسيما قد أرتكب من الحاكم، وسلطة الاحتلال آنذاك قوامه السماح (بقانون) للمواطنين العراقييـن الاحتفـاظ بأسلحة خفيفة في بيوتهم بينها البندقية كلاشنكوف. ولو عاودنا التفكير بتلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق، وسألنا أنفسنا، ومن حولنا من العارفين، والمجتهدين عن أسباب، وحجج ذلك السماح لوجدنا الإجابة بمفاهيم اليوم أن لا أسباب منطقية، وغالبية الشعب العراقي نفض غبار الدكتاتورية، ولا حجج عملية وحالة الاسترخاء تعم الأكثرية بعد زوال الغطاء الخارجي للخوف والقهر، والاستعباد. ومع ذلك وبعيدا عن الإثارة في مثل هذه المواضيع فإن سلطة الاحتلال قانونيا قد انتهت، والحكومات المؤقتة قد حلت محلها أخرى منتخبة دستوريا، وسيتوزع السياسيون من الأحزاب الوطنية على الوزارات كافة، ولم يبق إلا الشروع بتقديم الحلول، والمقترحات لأزمات أرهقت العراق بينها الأسلحة المكدسة في البيوت، والمحال التجارية، والمزارع، والمدارس، والمساجد، وعربات الباعة المتجولين، وكأنها  قد لقمت استعدادا لمواجهة خصم مجهول في ساحة معركة تمتد على كل مساحة العراق.

ومع ذلك لم تنته الفرصة، ولم يفلت الزمام بعد والحكومة المنتحبة لأربعة سنوات قادمة ستشرع بعملها دونما ضغوط تتعلق بالفترة المؤقتة، وقصر المرحلة الزمنية، ولم تغلق المجالات من أمامها، بل وعلى العكس من ذلك قد فتحت بعض أبوابها يوم أعلن السيد نوري المالكي فور تكليفه بالوزارة موقفا إيجابيا من السلاح الذي يرى ضرورة إبقاءه بيد الأجهزة الحكومية، والسلاح هنا لا ينبغي أن يكون فقط  ذلك الموجود عند المليشيات التي باتت تنافس أجهزة الحكومة، وسحبه منها لا يكفي لتوفير الأمن، والاستقرار لأن الفرد المنتسب إلى أحداها يستطيع تعويض سلاحه المسحوب رسميا  بذلك الموجود في البيت قانونيا، وما يخل بأمن الشارع، واستقرار الدولة العراقية ليس الفرد المنتسب إلى المليشيات فقط، بل وآخرون مثل الإرهابي، والسارق، وطالب الثأر، والراغب بالانتقام، والجاهل، والحاقد وغيرهم الكثير، علية يكون الموقف الصحيح من السلاح متمثلا بخطوة للحكومة تتأسس على جهد واضح لتجميع السلاح على مستوى البندقية من بين العراقيين وغير العراقيين، وإلغاء إجازات حمله وحيازته التي منحت خلال الوزارات الثلاثة المتعاقبة وسلطة الاحتلال، وإذا أرادت الحكومة أن تنجح في تنفيذ هذه الخطة عليها أن تحدد فترة زمنية لتسليم السلاح لقاء ثمن محدد قد لا يضاهي كل المدفوع لتجميعه إزهاق روح عالم أو إنسان بسيط من أهل العراق.

إن العملية ليست صعبة، ولا مستحيلة، وفي تاريخ العراق أمثلة كثيرة للتعامل مع موضوعها لجأت إليها الحكومة، وحققت نجاحا في التنفيذ من خلال الإصرار على تطبيق القانون، والمناورة،  والتعويض، ويمكن أن تلجأ إليها الحكومة المنتخبة إذا ما بدأت من البيوت، والمواطنين العادين  وشملت في خطوتها حراس الأحزاب، والجمعيات التي لم تحول بنادقهم دون حماية كوادرهم عند الاستهداف، وأفراد الحمايات من خارج الجيش والشرطة التي لم تثن بنادقهم ونظاراتهم السوداء  الجماعات الإرهابية والمنتقمين من تحقيق فعل القتل يوم يريدون. وكذلك شركات الحماية الأمنية الأهلية التي لم تستطع بنادقها الدفاع عن منتسبيها والمقرات.

إن تجميع السلاح وإن كان عملا سيعرض البعض إلى المخاطر لكن مخاطره اقل كثيرا من بقاءه في البيوت دافعا للانتقام، والثأر، والإرهاب، وإذا ما أعتقد البعض ضرورة وجوده حاليا فيمكن استبدال البندقية بمسدس مرخص من قبل الداخلية بضوابط صارمة، وإلا ستواجه الحكومة مواقف صعبة، تحول دون فرضها الأمن وبسط معالم الاستقرار.

د. سعد العبيدي      29/4/2006