أجل حزبي أجتماعه الدوري في مقره لعيش أقل من ساعتين توتر لقاء الفريقين العراقي  والاسترالي، وتجاوز ذلك المسئول حدود اللياقة الحزبية عندما وقف مصفقا وهاتفا للعراق بعبارات تشجيع شعبية لم يعتد الحضور سماعها عندما شاهد هدف المباراة في شباك الاستراليين، ونسي في خضم الفرحة بالفوز موضوع اجتماعه مع الحضور الذين شاركوه إثارة التوتر ومتعة خفضه، وبدلا من أن يتكلم عن أسباب إخفاق الحزب في الحصول على مقعد في الجمعية الوطنية أسترسل في التفاصيل عن إيجابيات الفريق العراقي، وعن أثر الحرية على أداء اللاعبين وعن رفعهم أسم العراق عاليا في ظروف بات يذكر أسمه إقترانا مع وقائع الحروب وصور القتل والاختطاف. وأصر رب أسرة أن يمارس ديكتاتوريته العائلية التي تصدعت في عمر الخمسين، ويعيد هيبته إلى سابق عهدها أيام الشباب فأمر بتخصيص الوقت بين السابعة والتاسعة مساء السبت لمشاهدة مباراة العراق وأستراليا ولا مجال في أمره للتنازل إلى رغبة الزوجة والبنات في مشاهدة المسلسل العربي الذي يصادف عرضه في نفس الوقت المذكور، وبدلا من الاعتذار بعد إنتهاء المباراة عن خرقه مبادئ الديمقراطية الأسرية وقف في العائلة يتكلم عن العراق وعن الأمل في عودته إلى سابق العهد، وعن أثر الادارة غير التسلطية على نتائج المباريات التي خاضها الفريق في ظروف البلد الصعبة. وهكذا فعل سائق تكسي ركن سيارته خلال الساعتين، وعامل عرج على المقهى مع أبناء المحلة والأصدقاء في تلك الساعتين، وشباب تجمعوا مع بعضهم في بيت زميل لهم أكثر من ساعتين ليعيشوا جميعا ولو في اللاشعور متعة الانتماء إلى وطن نسوا في خضم الأحداث أنهم أبناءه وأنه قابل للعطاء، ويحسوا لذة إقتدار وتفوق فقدوا الإحساس بها وسط الفوضى والاضطراب. وهكذا صفق، وهتف الجمع الغفير، وبكى البعض منهم في حال من الانفعال يدلل أن شعب العراق بحاجة ماسة إلى إخراج الكم الهائل من الانفعالات السلبية في نفوس أبناءه المتعبة، وبحاجة أيضا إلى خفض التوترات التي يعيشونها بصورة شبه مستمرة خارج الحدود الطبيعية لبني البشر، ويدلل أيضا أن الأمل بالتفوق والشعور بالمواطنة العراقية لساعتين قد وحدت الرأي والاتجاه مؤقتا رغم حالة الفرقة والشقاق، وتدلل من جانب آخر أن المجتمع العراقي مرهق جدا بهموم السياسة وعدم الاستقرار إلى الحد الذي يفتش فيه الجميع عن بصيص من الأمل من غير مجالات السياسة يبعدهم عن تناقضاتها وضغوطها ولو لفترة محدودة من الزمن، لكن الأمل في النفوس العراقية وبسبب طول فترة المعاناة دفن في أعماق اللاشعور مع كثير من الانفعالات غير السوية لا يمكن له أن يظهر ليكون موجها للسلوك باتجاه البناء في ظروف الشد والتوتر وعدم الاستقرار، ولا يمكن له أن يستعاد ليسهم في إعادة التوازن والمعنويات في حال الخطف والتجاوز والاقتتال. إن مسألته وحال العراقيين معقدة لكنها وفي نفس الوقت ليست مستحيلة إذا ما أدركت الحكومة أهميته والعامل النفسي في إدارة الفرد والمجتمع، وغير البعض من مسئوليها أساليبهم في التعامل مع عموم جوانب الأزمة، وأدركوا أن هناك طاقات مكبونة يمكن استدراجها وتوظيفها. والأهم من هذا أن يستفيدوا من الدروس الكثيرة من حولهم وبينها الرياضة، أملا في أن يديروا الأزمة بأسلوب الفريق الذي يلعب بانسجام وفق خطة مدروسة، ويتعاملوا مع وقائعها بروح رياضية. 

د. سعد العبيدي                                       23/8/2004