بدأ الصراع بإشكاله المختلفة دائرا بين الحكومات العراقية المتعاقبة بعد التغيير من جهة، وقوى مضادة مختلفة من جهة أخرى، والصراع الذي أخذ طابع الشمولية في الوقت الحاضر لا تقتصر أدواته على استخدام السلاح في " القتل، والاغتيال، والتفجير، والاختطاف، والمداهمة، والاعتقال... الخ " في ساحة قتال امتدت مساحتها لتشمل عموم العراق، بل ومعه الاستخدام المنظم والعشوائي للمعطيات النفسية التي يحاول من خلالها الطرفان الرئيسيان "الحكومة والقوى المضادة لها" التأثير على نهج تفكير و قدرات المقابل بهدف إيجاد قناعات ما أو تعزيز أخرى تفضي إلى السلوك أو الفعل المطلوب. وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الجهد النفسي للدولة غير الموجود أصلا في هذا المجال، أو ما تمتلكه القوى المضادة لها من أجهزة وأدوات في نفس المجال، والتركيز بدلا عن ذلك على موضوع الردع كأحد الوسائل النفسية، التي لجأ إليها الطرفان في صراعهما المستمر منذ ما يزيد عن عامين. وفيه نرى بشكل واضح أن القوى المضادة لإقامة النظام الديمقراطي وعندما لم تستطع تحقيقه أي الردع بالنسبة إلى الأمريكان وقوات متعددة الجنسيات توجهت إلى جسم الدولة العراقية، ومؤسساتها الأمنية الضابطة في عمليات متتالية حققت بها عنصر المبادأة في  استهداف مفاصل عليا للقرار نزولا إلى الشرطي البسيط في الشارع، والفرد الراغب بالتطوع إلى الشرطة والجيش، وقد حصلت في استهدافها هذا على بعض النجاحات ذات الصلة بإثارة التوتر، والخوف، والتردد، وعدم الرضا في أحيان ليست قليلة، ونجحت إلى حد ما في استمالة البعض من متضرري التغيير، والمتطرفين، ومن أولئك الواقفين على التل إلى جانب كفتها في الصراع الدائر مع الحكومة، وكلفت الأخيرة كثيرا من الجهد والمال الذي قلل من قدرتها على إدارة عملية إعادة البناء. وفيه نرى أيضا وبنفس شدة الوضوح أن الحكومات في السنتين المنصرمتين لم تمتلك جميعها من وسائل التأثير النفسي والعسكري الحاسم على الخصم ما يكفي على ردعه من القيام بالفعل المسلح بالضد من أدواتها الضابطة، ومؤسساتها الاقتصادية والخدمية، ولم تمتلك بنفس الوقت الخطط اللازمة، وهامش الحركة المطلوب للتعامل مع مواقف الردع التقليدية. ونرى أيضا أنه ومع النقص الواضح في الجهد الاستخباري التعبوي، وخبرات التعامل الميداني لدى عموم مسئوليها ركزت على سياسة الدفاع عن النفس وعلى بعض الهجمات التي وإن تطورت كما ونوعا في الأشهر الأخيرة، لكنها لم تستطع في عمومها إقناع الخصم بتفوقها الرادع من أجل إجباره على التوقف عن استهدافها، ولم تستطع إقناع المواطن العادي بإمكاناتها في التفوق السريع على ذلك الخصم ليكون طرفا مشاركا معها في المعركة الدائرة بالضد منه، ولم تنجح في نفس الوقت بتقريب المسافة النفسية بينها وعموم العراقيين ليخففوا عنها الكثير من النقد والتجريح الذي يصب نفسيا لصالح خصمها في القتال.

ومع ذلك فإن الصراع لم ينته أو يخف بعد، بل وعلى العكس سيزداد شدة خلال مراحل الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتخابات المقبلة وسيضاعف الخصم أو العدو التقليدي من فعالياته في الصراع لإفشال تلك الخطوتين لاعتبارات عديدة، وفي المقابل لابد وأن تضاعف الأجهزة الحكومية المعنية من شدة تنبهها إلى الخطر الموجود وتسعى إلى تحقيق الردع المطلوب عن طريق الحصول على المبادأة التي ستحسب إلى صالح الحكومة في إدارة الصراع إذا ما اقترنت باستمرارية التعرض، وبعدالة معقولة للاستهداف، وبجهد نفسي لإقناع أبناء المناطق المستهدفة بشرعية الاستهداف يبقيهم في خطوة أولى على الحياد ما بين طرفي الصراع، ويقربهم في خطوات لاحقة من الحكومة مواطنون أسوة بغيرهم من العراقيين، عندها يمكن القول أن معالم التفوق في الصراع بدأت تتجه إلى صالح الحكومة، وإن الردع النفسي يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار.    

د. سعد العبيدي                                      21/8/2005