أُعلنَ في وزارة الصناعة قبل أيام عن نيتها خصخصة بعض مشاريعها الكبيرة لأن تأهيلها يحتاج إلى ما يزيد عن المليار دولار في الوقت الحاضر، والوزارة في خطوتها هذه محقة في مسايرتها فلسفة الدولة لإدارة إقتصادها على أساس السوق، وفي تعاملها مع واقع إقتصادي غير قادر عمليا لإعاة تأهيل المشاريع العملاقة، وواقع أمني مضطرب غير ضامن منطقيا للتأهيل.

لكن أمر مثل هذا لا يؤخذ فقط من زاوية الرغبة، ولا مسايرة لظرف طارئ، ولا تلبية لحاجات أمنية، بل ويؤخذ بشمولية تضع في الإعتبار الواقع، والحاجات، والمصلحة العامة، ومن ثم خبرة الآخرين المشابهة وتجاربهم في هذا المجال.

وإذا ما أخذنا خبرة الآخرين وأقتربنا إلى روسيا الاتحادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتوجهها لخصخصة مشاريع استراتيجية أثمر بيعها في النهاية بأبخس الأثمان بسبب الرشا، والتجاوز، وتهديد المافيات عن خسارة الدولة مليارات الدولارات هي في حاجة إليها إبان الانتقال من الاشتراكية المركزية إلى أقتصاد السوق، وعن فقدان سيطرتها على الشارع الذي برز فيه ملوك الخصخصة أدوات نفوذ وتأثير ينافسون أجهزة الدولة الضابطة في السيطرة وتسيير الأمور، وهذه نتائج لو قارناها مع الواقع العراقي نجد أن تشابها موجودا في عديد من الأمور إذ أن المافيات، والعصابات، والمليشيات موجودة، وقادرة على التحكم في بعض المفاصل، وتنفيذ التهديد الذي يمنع أي شخص للمزايدة على مشروع مطروح للخصخصة وضعته نصب عينيها أو دُفعَ لها لتكون طرفا في وضع العين، ورؤس الأموال العراقية الوطنية النزيهة هربت إلى الخارج، ولا أمل بعودتها في زمن قريب وضعته الوزارة سقفا لطرحها مشاريع للخصخصة، والمستثمرون الأجانب شركات، وأشخاص غير مستعدين للتقرب إلى العراق في الوقت الذي تتحرك فيه بندقية واحدة خارج سيطرة الدولة.

عليه أو إن الذي سيحصل إذا ما نفذت الوزارة خططها في هذا الموضوع ستباع المشاريع بأقل من قيمتها الحقيقية بمئات المرات، وسيشتريها أشخاص يمثلون بعض الكتل، والأحزاب والجماعات لصالحها أو لقاء عمولات مدفوعة مسبقا لإدامة أحوالها، وتمكينها من الاستمرار ومد النفوذ، وسيظهر يوم يستتب الأمن وتعود إلى العمل تلك المشاريع قوى تأثير وضغط جديدة تستخدم المال وتتحكم بالاقتصاد في تحقيق أهدافها ومشاريعها التي تكون بعيدة حتما عن ما تريده الحكومة ويهم العراق.

هذا وإذا ما أخذنا بالاعتبار الحاجة كأحد عوامل القرار على الخصخصة وأهمها الحاجة المالية إلى دعم الوزارة ومشاريع أخرى وتحسين وضع الإقتصاد فإنها في الوقت الحاضر غير مبررة أيضا لأن الذي تسرب من مناقشات ميزانية عام 2007 يؤكد أن هناك مدور من عام 2006 يقارب 14 مليار دولار، وإن الميزانية الحالية التي قاربت 42 مليار تغطي العديد من الحاجات الضرورية في زمن تجد فيه الوزارات والدوائر الحكومية مصاعب في صرف المبالغ المخصصة لتغطية الحاجات.

وفي الختام إذا ما وضعت تلك المعايير في دائرة المناقشة مع المصلحة العامة نجد وببساطة أن مصلحة العراق تقع في المحافظة على المال العام، وعلى إبعاد شبح التأثير المافيوي في الإقتصاد، وفي تطويق الفساد معضلة لو فتحت أمامها مشاريع الدولة الاستراتيجية ستكون آفة يصعب الحد من تأثيثراتها على العراقيين المضطهدين عشرات السنين، الأمر الذي يحتم أن تتم مثل هكذا عمليات ضرورية بتروي وفي الزمن الذي لا يخضع فيه موظف لتهديدات السلاح، وتوجيهات الأحزاب والكتل والحركات، عندها سيصفق العراقيون جميعا لمقترحات الوزير وتطبيقاتها في الزمن الصحيح.

د. سعد العبيدي                                         22/2/2002