يُهيأ الجندي لأن يَقتلُ في المعركة، وأن يحمي نفسه فيها من القتل من جانبين أولهما مادي يتعلق بالتدريب والتسليح والتجهيز، والخطط، وثانيهما نفسي ذو صلة بتوفير القناعة للقتل، وتقليل أثر الشعور بالذنب من كثر القتل، والدعم المعنوي لزيادة التحمل، والصبر، والمطاولة التي تتطلبها المعارك في ميدان مليء بالتعب والإرهاق وفنون القتل. على هذا الأساس أوجدت الجيوش دوائر مختصة بالعمل النفسي والمعنوي، وأعطتها دورا في التأهيل والإدامة لا يقل عن أدوار يقوم بها المعنيون بالتدريب، والتسليح والتجهيز، وغيرهم، بعد أن أصبح موضوع التأهيل النفسي مجال مهم من مجالات علم النفس وتخصص يحتاج العمل والتعامل معه إلى معرفة وخبرة واختصاص. هذا بشكل عام وإذا ما كانت المعركة في داخل البلد بين جيشها وشرطتها من جهة، والعاصين من أبنائها، والدخلاء بملاذات بين أهلها من جهة أخرى كما هو جار الآن على وفق الخطة الأمنية فإن التأهيل والتهيئة النفسية سيكونان من بين الضرورات الملزمة، لأن العدو المطلوب قتله في ميدان الاحتراب الداخلي لم يكن من أبناء دولة أجنبية يسهل على الجندي المهاجم تحويل مشاعر العدوان تجاهه بمجرد إصدار أوامر القتال، إنه بن بلد أو شخص قادم من الخارج يعيش معه أو قريبا منه، أو حتى يتواجد في محيطه تحت تهديد السلاح، عليه يصبح فعل القتل مشكلة تثير التأنيب الشديد للضمير، ثم إن القتال كما هو حاصل حاليا في العراق لم يكن بين جيشين، ولم يكن الإرهابيون يتحصنون في مواضع دفاعية يجري الهجوم عليها بسبل الهجوم التقليدية، بل وعلى العكس من ذلك يتملصون من المواجهة المباشرة، ويأخذون من الدور والأماكن السكنية قواعد لهم، ويحاولون إشراك الصبية، والنساء بهدف زيادة الخسارة بين المدنين واستثمارها للضغط والدعاية والإعلام، وهذا أمر يجده الجندي المحارب معقدا بسبب الحاجة إلى الفرز بين الأهداف المتاحة من أمامه، وفرز من هذا النوع في وضع التوتر، والخسارة، والتعب، تتطلب هدوءً، وسيطرة عالية على الانفعال، وحيادية يلزم تأمينها عند التهيؤ النفسي قبل الشروع بالقتال. ولأن المطلوب مقاتلتهم بهدف إخراجهم من كفة الصراع أو تقليل تأثيرهم على العملية السياسية الجارية تمهيدا لفرض الأمن والاستقرار في البلاد كما هي الغاية المفترضة في الخطة الأمنية هم في الغالب عراقيون، ومن مناطق محددة، لذا يحتم منطق القتال معهم في أن لا تتأسس الغاية على توسيع هامش القتل لإحداث أكبر قدر من الخسارة بالطرف المقابل سعيا لإجباره على قبول شروط المتفوق فيها كما هي فلسفة القتال في الحروب التقليدية، لذا يتطلب هذا النوع من القتال ضبط أعصاب لا تتطلبها الحروب الأخرى، وتحذير من الإفراط في القتل، ومحاولة تجنبه جهد الإمكان وبأسلوب تعامل حذر لا يمكن تأمينه إلا بجهد منظم أثناء عملية التهيئة النفسية المسبقة، والمتابعة النفسية الميدانية للوضع المعنوي في الميدان. 

والأهم منها جميعا أن قتال الداخل، وموروثات الثأر والطائفية فيه تتطلب تقليل الأثر الجانبي له أي القتال، أو بمعنى أوضح أن لا يثر المقاتل في قتاله العشيرة التي يتواجد في أرضها المطلوب مقاتلته لأن في إثارتها فرصة لدفع البعض من أبنائها الدخول طرفا في القتال، وأن لا يُعطي القتال معنا دينيا يثر الطائفة التي يتواجد المسلحون والإرهابيون في محيطها، لأن إثارتها ستدفع الشباب غير المتحضر إلى أن يكون وقودا رخيصا إلى نارها التي تبقى بسببها مستعرة إلى عديد من السنين، وتحتاج أيضا إلى العقلانية، وبعد النظر لا يمكن تأمينهما إلا من خلال خطط للتهيئة النفسية المسبقة تجنب المنفذين الانزلاق بالخطأ، وتقلل الآثار والخسائر الجانبية جهد الإمكان، مع عدم استثناء الجهد النفسي الذي لا بد وأن تقوم به قوات الحكومة في هذه الخطة للتأثير على الأعداء بهدف التقليل من اندفاعهم، وعلى الأهالي المحيطين لتحييدهم أو كسبهم إلى صفها. جهدٌ كان موجودا وأتهم مثل غيره من الخبرات العراقية من أنه نتاج العهد السابق فضيع المتهمون فرصا قد يتذكروها بعد فوات الأوان.

د. سعد العبيدي                          9/7/2006