كثرا ما تفاخر السياسيون العراقيون الجدد، بنزاهتهم، وجديتهم، واستقلالية قراراتهم، للسبع سنوات الماضية على مستوى العلن، وكثيرا ما أستنكروا التدخل السافر لدول الجوار في شؤون السياسة العراقية، خلال لقاءاتهم السافرة في الإعلام، والحوارات الجارية، وكثيرا ما وجهوا إتهامات لبعضهم البعض، بالرجوع إلى تلك الدول في التعامل مع الأزمات في السر والعلن، وكثيرا ما شكك بعضهم بسلوك الآخر وتوجهاته في الأستقواء بمن في الخارج على إبن البلد البار. وهكذا استمر حالهم طيلة السنوات الماضية لما بعد التغيير، حتى جاءت الانتخابات الأخيرة ونتائجها المحيرة، حيث التشكيل بطريقة لا يمكن لأحد من الفائزين في المقدمة، أن يدعي الأنتصار على باقي الكتل والأحزاب، ولا يستطيع أي منهم أن يشكل حكومة إئتلاف واحد أو أغلبية مريحة، دون الآخرين من غالبية الكتل والأحزاب، ومن غير الممكن أن يدعي أحدهم، أنه يمثل هذه الطائفة أو تلك. فأقتنعوا جميعا أنهم بمواجهة موانع أو عقبات، تحول دون تمكنهم من الوصول إلى سدة الحكم، غاية رئيسية لتحركهم المحموم على الطريق الوهمي للديمقراطية الفتية. عندها صحوا في دواخلهم من وهم الاستقلال الناجز، والأستقامة المطلقة، والتحرر الفاعل، والوطنية الحقة، وفي صحوتهم السريعة والمفاجئة هذه، توجهوا جميعا صوب تلك الدول دون الإلتفات إلى مواقفها السابقة من ديمقراطية العراق أو الخوض بتفاصل إنحيازها الطائفي، وتدخلها المعرقل، طالبين العون في مسألة الخروج من مأزق، وضعوه هم بأنفسهم يوم كتبوا الدستور مبهما، ساءلين المساعدة في لم الشمل الذي أنفرط عندهم، مع أول صعود لدرجات السلم الديمقراطي قبل عدة سنوات، وتشتيت ما تبقى من الشمل عند منافسيهم،  راغبين بالضغط على باقي الفرقاء لتطبيق فقرة هنا، ومادة هناك تسمح لهم في البقاء بالمقدمة، تبعا لتفسيراتهم ومصالحهم في الوصول الى الحكم، وربما طلب التدخل المباشر، لحسم إيصالهم إلى سدته بأي ثمن كان.  

إن التأثير الإقليمي واقع في السياسة ليس في العراق وحده، بل وفي جميع المجتمعات البشرية، إلا إنه وقوع لا يخل بالمصالح العليا للبلاد، والإمتدادات الدولية، موجودة ليس في الساحة العراقية فقط، بل وفي جميع السوح السياسية، إلا إنها أمتدادات لا تخل بالاستقلال الوطني للبلاد، أما الذي يجري في العراق الحالي، فمختلف تماما عن معايير المصالح والتوازنات، والعلاقات، بعد أعتماد الذهاب  إلى الغير، طلبا للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد، دون حياء أو أستحياء من الشعب الذي أئتمنهم على مستقبله الحر المستقل، ودون أن يعوا كذلك التبعات التي سيتحملونها وشعبهم المغلوب على أمره، حيث السماح بإبقاء ساحة القتال التي إنشئت على أرضه مفتوحة، يغذي بقائها المطلوب تدخلهم علنا، من دول الجوار.

إن مشهد التحرك على الدول الإقليمية والعربية وغيرها، الذي يشبه الحج في عز الصيف، مشهد مؤسف يؤشر أن العديد من الفائزين في الأنتخابات الأخيرة، لم يتعضوا من الماضي، الذي أسقط كثير من زملاء، لم يتعضوا في تعاملهم غير الصحيح مع الجمهور، ويؤشر أن سلوكهم في التحرك الهستيري هذا، سعي لجني الأرباح الذاتية السريعة، على حساب البناء السياسي الناضج لهم ولكتلهم ضمن البناء الأكبر للعراق، ويؤشر أيضا أنهم وبتحركهم هذا يسعون إلى الأستقواء بالأجنبي لإزاحة المقابل الوطني، بطريقة يسمحون فيها لآخرين أن يزيحوهم بنفس طريقة التحرك في المستقبل القريب. ويؤشر كذلك أن الأقوال التي قيلت في الحملات الأنتخابية غير صحيحة، والشعارات التي أطلقت خلالها مزيفة، والبرامج الانتخابية التي صيغت مشكوك فيها، والوعود التي قدمت لغد أفضل، ميئوس من تأمينها، ويؤشر من جانب آخر أننا لم ننضج بعد، وكأن مقومات النضج الاجتماعي والسياسي العراقي، قد توقف نموها عند عشرينات القرن الماضي، يوم هرول الجميع صوب الغير في الخارج، لتشكيل نظام حكم، أختير فيه ملكا من الحجاز، والأهم من هذه جميعا هو أن ما جرى ويجري دليل على أن من خصائص الشخصية العراقية الإحتكام إلى الغير من الخارج، والأخذ برأيه ومشورته، والحاجة إليه مراقبا يتدخل ويعدل في الأوقات الحرجة، حقيقة لو أعترفنا بها بداية لما كان لنا أن نعادي الانجليز الذين أشروا وجودها، ونتسبب في مزيد من التخلف والخراب أو نثور على الملكية، وندخل متاهات الفوضى والاضطراب أو ننساق إلى حرب مع إيران ونغزوا الكويت، فنهدم ما تبقى من البناء، ولو قبلناها، لأمكن لنا تعديلها خاصية سلبية، فنتفادى الحج في عز الصيف.

             

                                                                                             د. سعد العبيدي

                                                                                             11/4/2010