قبل أشهر قليلة من الآن تذكر مجلس محافظة بغداد فجأة قانون شرعه صدام حسين يحذر بيع المشروبات الكحولية، وسعى إلى تطبيقه، ثم تطرف في التطبيق سعةً شملت نوادي إجتماعية حافظت على وضعها مجالات ترويح عائلية وسط هموم ومشاكل وضغوط ثمان سنوات متصلة، حتى أثار في سعيه هذا شريحة المثقفين وطلاب الحرية وجل العوائل التي ترتاد النوادي الترفيهية، وعديد من الشباب الباحثين عن الترويح المقيد بحدود المقبولية، وكانت النتيجة حالة صراع كونها المجلس بينه من جهة وبين أولئك المذكورين والمتعاطفين معهم ومستغلي الفرص من أجل الاثارة المنظمة للغضب من جهة أخرى.... صراع حياة غير ملائم في الزمن غير المناسب، خسر المجلس جولاته بقوة دفع الديمقراطية ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والرغبة العارمة لامتلاك الحرية الشخصية ومن ثم أسهم أي المجلس بفعلته هذه بتكوين مثيرات غضب أضيفت إلى تلك الموجودة أصلا في الوعاء الطافح داخل النفوس الشابة وجدت مسارب لها في الخروج بالاتجاهات المضادة بشكل متطرف وإن جاءت ضمن حدود الحاجات الانسانية الطبيعية للمتعة والترويح والتمتع بالحرية، يجد الراصد بعضها واضحة في حدائق أبو نؤاس التي تحولت بعد خسارة جولات الصراع المذكور إلى حانات شعبية ذاتية يجتمع فيها الشباب بعد الظهر جماعات صغيرة متفرقة يحتسون ما يحلوا لهم من شراب، ويأكلون ما لذ وطاب، مؤكدين حقهم بالحرية الشخصية، يضحكون بصوت عال مؤشرين رغبتهم بالهروب من هموم نفسية، يتبولون على جذع شجرة وفي مياه دجلة ساعين الى تحدي السلطة الضبطية والقيم الاجتماعية، ويجدها المتابع أيضا في مقاهي هذا الشارع التاريخي ومحلات بيع السمك المسكوف، التي تحولت غالبيتها إلى ملاهي نهارية ليلية تعرض فنونها بصيغ لا تخلوا من الهروب والتحدي الضمني والرغبة في تأكيد حقوق التمتع بالحرية.
إنها حالة صراع أنتجها التطرف في التعامل والقرار تدفعنا إلى تذكر أجواء الستينات من القرن الماضي ومقارنتها بالأجواء السائدة في هذا العقد الاول من الالفية الثانية، ذلك الزمن الذي:
لم تتطرف فيه السلطة لما يتعلق بموضوع المتعة وسد الحاجات الغريزية الذي جعلته مسألة شخصية وهي السلطة البعيدة عن معايير الديمقراطية.
ولم توقف نشاط النوادي الاجتماعية التي حسبتها ترفيهية وهي المتهمة بالرجعية.
ولم تلزم الإدارة منتسبيها من السيدات بإرتداء الحجاب الذي أعدته مسألة تتعلق بالخصوصة.
ولم تتجه جامعة ولا مدرسة إبتدائية إلى طرح فكرة الفصل بين الذكور والاناث التي تفسرها ضمن مستلزمات التطور الزمانية.
ومع ذلك أو مع هذا الواقع الذي يحسبه متطرفو هذا الزمان سلوك تجاوز وإباحية، كان:
من يوقع على إجازة منح البيع الخاصة بالخمور مسلما مؤمنا لا يشعر بالذنب من توقيعها.
ومن يصطحب عائلته الى النادي أب ورع لا يخجل من وجودها.
وكانت مقاهي أبو نؤاس التي يقدم بعضها الكحول ويقدم بعضها الآخر الشاي والمشروبات الغازية، لايتبول أحد على جدرانها وحدائقها العامة.
وكان الشباب أكثر حياء وإلتزاما وهدوءا، عندما يحس الواحد منهم حاجة في داخله للمتعة والترفيه يتجه إلى ملاهي ليلية معروفة لا تزيد عن الخمسة ترتاد بعضها عوائل بغدادية، وسواح من دول أجنبية، تحرسها الشرطة وتفتشها السلطات الصحية.
حالة لو وضعت تحت المجهر الاجتماعي سيتبين أن النظرة العقلانية إليها في الزمن الأول أنتج قدرا مقبولا من التهدءة، والعقلنة والانضباط، والوسطية.
أما التطرف في التعامل معها في الزمن الحالي فقد أنتج كماً غير قليلا من التطرف والغضب والابتذال والتمرد على سلطات الدولة الضبطية.
حالةٌ لا ينبغي النظر إليها من جهة الحلال والحرام المجرد فقط، ولا من جانب المعايير القيمية المثالية فحسب، بل ومن بعضها الملائم زمانيا، ومن زوايا الحاجات والحريات الشخصية والعلاقات العامة.
كذلك هي حالة لا يمكن تركها سائبة تنخر في المجتمع وتشيع سلوك التحدي والانحراف والابتذال، بل ولابد من تنظيمها بما يؤكد إنسانية الانسان وحقوقه العامة، وبما يوفر فرص للدولة في أن تتحكم في بعض مخارج السلوك الاجتماعي أخلاقيا، وتحصيل الضرائب لصرفها في مناحي دعم الاقتصاد أصوليا.
24/5/2011