يتجه البعض في مواقفهم الحياتية وفي آرائهم السياسية إلى التطرف نحو اليمين الأقصى أو إلى أقصى الشمال، وبسبب تطرفهم هذا يعتقدون أنهم الأصوب من غيرهم في كل الأمور، ويذهبون أبعد من ذلك، إلى دفع الآخرين للأيمان بمعتقداتهم، والسير على نهجهم. والتطرف على هذا الأساس نهج تفكير، لا يقتصر وجوده على مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي عانت أكثر من غيرها بسبب هذا الوجود، بل هو موجود في كل المجتمعات البشرية، وبنسب تكاد تكون متقاربة عند خطوط البداية لهذا الوجود، والفارق الوحيد في سعة أنتشاره بعد تلك الخطوط، وتأثيره أي الانتشار على النفس المتطرفة ذاتها، وعلى الأخرين القريبين منها والبعيدين، بين هذا المجتمع وذاك، أو بين مجتمعاتنا المصابة بدائه المفرط، وتلك التي تجاوزته منذ عشرات السنين، يعود إلى طبيعة النظم، وأساليب الإدارة، ومستوى التحضر: عوامل تفاعلت فيما بينها فأكثرت من الأعتدال عندهم، وأبقت التطرف أضطراب حبيس نسبه التقريبية، عند خط البداية مع قليل من الاستثناء، وهي عوامل كان وجودها ضعيف عندنا، بقدر أضعف نتائج التفاعل التي سمحت بأنتشاره، بعيدا عن خط البداية، وجعلته خاصية تقترب من أن تكون عامة، بل ويقدس وجودها العديد من أبناء المجتمع ضحاياها المخدرون.    

أما نشأة التطرف عند الانسان، فلا تختلف عن نشأة العديد من الخصائص الشخصية، والأضطرابات النفسية، حيث التأثيرات التفاعلية لعاملي الوراثة، التي تكّون الاستعداد الجيني، والبيئة التي تنمي ذلك الاستعداد من خلال القبول والتعزيز أو تكبحه بقدر من  الضوابط، والمعايير.

والتطرف كنهج تفكير، إذا ما صاحبه رغبة في فرض الرأي بالقسر، وتعميم المعتقد بالقوة، يقترب عندها من الاضطراب النفسي لأن صاحبه في هذه الحالة يكون في حالة عيش تحت ضغط الأفكار التسلطية، التي يحاول التخلص منها بتوزيعها على الآخرين، لكنه وبعد قليل يجد أنها قد تجددت، بدرجة تدفعه الى القلق المستمر. والتطرف عمليا لا يشكل مشكلة إذا ما بقي فرديا أو إذا ما أدرك المجتمع طبيعته وطوقه بالتوعية والتثقيف، لكنه سيكون كذلك عندما يجتمع المتطرفون في جماعات منظمة سياسية كانت أو دينية، تحت ضغط التفتيش النفسي اللاشعوري عن وسائل لتصريف القلق، فيكّونون عندها مجتمع جاذب لأمثالهم من المتطرفين، ومثير لتطرف المقابلين لهم في السياسة أو في الدين، ولنا في هذا أمثلة قريبة من الواقع العراقي والفلسطيني، إذ شاهدنا في العراق كيف أن القاعدة المحسوبة على المتطرفين السنة قد أجتذبت إلى دائرتها، العديد من المتطرفين في العراق، ونفذت العديد من أعمال القتل والخطف والتهجير، بطريقة مَرَضيّة كانت كافية لإثارة المتطرفين في الجانب المذهبي الشيعي المقابل، اللذين تكتل بعضهم بجماعات تعاملت مع الجانب المقابل بنفس الطريقة، فبات الحال لا يفسر من الناحية النفسية والاجتماعية إلا تطرفا أنتج آخر، فاقه في بعض جوانب التأثير. وكذلك الحال في غزة الفلسطينية التي عرفت إدارتها الحمساوية بالتطرف في الرأي والاعتقاد واسلوب التعامل مع بعض مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، واستمر كذلك حتى أثار آخرين هم أيضا متطرفين بل أكثر تطرفا، فكان تنظيم جند أنصار الله، وسيوف الحق التي ظهرت لتقاتل حماس، بطريقة لا تفسر نفسيا إلا من باب التطرف في القطاع قد آثار تطرفا آخرا، يزيد عنه في الشدة ويختلف في الاتجاه. وعلى هذا الأساس يعد التطرف إضطرابا نفسيا، وآفة إجتماعية لابد من إجتثاثها في مجتمعاتنا الشرقية، وإلا ستزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، إجتثاثٌ سيكون فاعلا عندما يأتي من بين المجتمع، ويتأسس على قيمه المعتدلة.

25/9/2009