أبقيت عديد من المشاكل ما بعد السقوط معلقة دون حل حازم وجذري كان المسؤولون أو السياسيون في الحكومات العراقية المؤقتة قد أعتقدوا بصددها أن الزمن كفيل بالحل أو ربما الذي يأتي من بعدهم يتحمل مسؤولية الحل، وإن توجهوا إلى حل لبعضها سيكون الشروع بالحل مقتصرا على الترقيع إذا ما كانت المشكلة ذات علاقة بالجمهور، والمال العام، والامتداد الديني إلى السياسة، والتأثير القومي على السياسة، والفعل المليشياتي في حكم السياسة، وهكذا تمتد القائمة طويلا لتخنق الحكومة، والقائمين على السياسة وتحرف مستقبل العراق باتجاه لا يريده أهل العراق ولا يتمناه الوطنيون من أهل السياسة، ولنأخذ من هذه القائمة مثلا واحدا لأغراض التوضيح، وإثبات وجهة النظر في التحليل يتعلق بالمليشيات التي كان عدد مراجعها من الأحزاب بعد السقوط لا يزيد عن الأربعة تم الاعتراف بدورها في محاربة النظام السابق، وحق أفرادها في الحصول على بعض المكاسب تساعدهم على الاندماج في المجتمع، وتهيئة الفرص أمام المناسبين منهم للمشاركة في جهد البناء بالانظمام إلى الشرطة، والجيش وبعض الوظائف المدنية، وقد شرعت الإدارة المدنية للدولة في حينها "بريمر" قانونا للتعامل مع هذا الموضوع على وفق خطوات متتابعة تفضي في نهاية المطاف إلى حل المليشيات والتوجه إلى العمل السياسي ينتهي بحدود عام 2006، وقد شكلت لجان بين ممثلي الحكومة والمليشيات لم تكن معادلتها الطرفية متكافئة، ولم تمتلك الصلاحيات، وفعل التأثير على المليشيات من جانب، وعلى مؤسات الدولة المطلوب وجودها لتسهيل تنفيذ القرار من جانب آخر، فحصل أن جرى التوجه للتعامل مع  الموضوع توجها إنتقائيا سارعت فيه المليشيات إلى الاستفادة من بعض فقرات القانون لدمج أفرادها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية قبل أن تسلم سلاحها، وتسابقت مع غيرها من الأحزاب إلى توظيف البعض الآخر من أفرادها في دوائر الدولة ومؤسساتها قبل أن تعلن حل نفسها فكان توجها وسباقا أستفادت منه بعض المليشيات دون بعضها الآخر، وحقدت فيه بعض الأطراف دون بعضها الآخر، ووجدت أخرى لم تكن معرفة بنضالها ضد صدام أن الفرصة للحصول على مكاسب التغلغل في جسم المؤسسة العسكرية الأمنية متاح من خلال الاستعراض المليشياتي حتى توسعت الأعداد وتضخمت الأرقام لتتجاوز العشرين مليشيا معظمها لا يرتبط بأحزاب عقائدية، ولا يمت بصلة إلى العلملية السياسية، ووجد بعض المنتسبين إليها من الشباب غير السياسيين أن الفرصة سانحة أمامهم لاستثمار النضال المليشياتي في تحقيق مكاسب ترفعهم إلى مصافي الأغنياء وأصحاب الجاه بيوم وليلة، ووجدت الدولة التي أعتمدت الترقيع في التعامل مع أكثر المواضيع حساسية وخطورة أنها عاجزة عن القيام بالخطوة الصحيحة في هذا المجال وأكتفت بالنويا والتمنيات، ووجد البعض من رؤساء الأحزاب والمليشيات أنهم في حرج من الأعمال الجانبية والأخطاء المتكررة لبعض منتسبيهم، ووجد العراقيون جميعا أنهم في مأزق الانحدار إلى أن يكونوا طرفا مواليا لأحد تلك المليشيات طمعا في الحصول على الحماية والأمن بعد أن توجه بعض أفراد المؤسسة الأمنية إلى أن يكون أعضاء في بعض المليشيات.

إن سياسة الترقيع التي أتبعت مع موضوع المليشيات أسهمت في تدهور الأمن، وضعف سلطة الدولة، وإضطراب المجتمع وستؤدي في خطوتها القادمة إلى فقدان البعض من قادة المليشيات وربما الأحزاب السيطرة على مليشياتهم في الشارع بعد أن حُرفَ فعل  العديد منهم باتجاه المنفعة الذاتية، والإرهاب المذهبي، وستؤدي في خطوتها الأخيرة أن يتمرد بعض أفراد المليشيا على قادتهم في خطوة يسبقها شعور بالاختناق عند أهل السياسة، والدين، والمجتمع سببته سياسة الترقيع.

د. سعد العبيدي                            23/8/2006