أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 24 لسنة 2005 الذي يتعامل مع المفصولين السياسيين أي المتضررون من النظام السابق بإعادتهم إلى الخدمة وأحتساب مدة فصلهم منها لأغراض الترفيع والتقاعد، وعلى أثره شكلت لجان في كافة الوزارات لأستقبال الطلبات التي تقدم من قبل المعنيين لدراستها ومن ثم اصدار الأوامر الوزارية لشمولهم بها أصوليا، فكان قرار أستقبله المفصولون وغير المفصولين بردود فعل ايجابية، وكان مثله مثل غيره من قرارات التعويض والنفع الخاص قد أستثار لعاب البعض وحشد طاقتهم للتحايل عليه وتشويه قيمته الأعتبارية والقانونية، وكان الملفت في موضوع الأستثارة ليست محاولات البعض من الموظفين البسطاء ولا توجهات قسم من الأميين والفقراء الذين يجرون في كل أتجاه أملا في الحصول على ما يعتقدونه ممكن أو سهل الأقتناص في كل الأزمنة والأوقات، وإنما مساعي ذوي التحصيل العالي والدرجات الخاصة والرتب العسكرية العالية الذين يعرضون خدماتهم لأصحاب القرار في كل الأزمنة والأوقات لاهثين خلفهم لجني الثمار رواتب عالية ومخصصات مرتفعة وفرص أستغلال لا تعوض.
إن العتب هنا أو اللوم هناك لا يقع على الفقراء والأميون في محاولاتهم للأستثمار تبعا لمستويات إدراكهم المتدنية للضرر في التجاوز وخرق القوانيين, وإنما على محاولات البعض رفيعي المستوى لأستغلال صفتهم وتأثيراتهم الوظيفية الحالية وعلاقاتهم الشخصية للتأثير على اللجان المختصة بالسياسيين وأقناعها أو الضغط على بعض أعضائها لشمولهم بالقرار المذكور على الرغم من أن فصلهم من الخدمة أصلا كان بسبب سوء السلوك أو لأرتكاب أعمال جنائية، أو أن إحالتهم على التقاعد كانت أصلا بسبب مخالفات أو زيادة على الملاك.
إنهم كثر في الوقت الحاضر ويزداد عددهم يوميا مدنيين وعسكريين، يفسرون من جانبهم أو يعرّفُونَ أنفسهم بالمفصولين السياسيين، ويعلنون بأعلى اصواتهم دون خجل أو حياء أنهم متضررين ويشرحون الضرر بطريقة تثير السخرية والأستهزاء، كما هو حال أحد الضباط رفيعي المستوى الذي شغل عدة مناصب في الجيش السابق، وأستمر في الخدمة العسكرية بدائرة المحاربين إلى يوم 9/4/2003، وحصل بسببها على قطعة أرض سكنية باعها بمائة مليون دينار بعد السقوط مباشرة تفاديا لأحتمالات مصادرتها حسب أعتقاده .... يطالب في الوقت الراهن شموله بالقرار المذكور على الرغم من تاريخ سابق له معروف بحسن الخدمة إبان النظام السابق، وكثرة الأنواط وأشغال المناصب القيادية العليا والأنسجام الكامل مع مسيرة الحزب آنذاك، وعلى الرغم من حصوله في هذا العهد على منصب وترقية لم يحصل عليها عسكريون متقاعدون عاشوا الجوع والألم إبان حكم صدام والأهمال زمن الديمقراطية، ولم يحصل عليها سياسيون متضررون، وحجته للمطالبة تتأسس على أنه قد أحيل إلى دائرة المحاربين في رئاسة الجمهورية قبل السقوط، لقد حدد الضرر بضوء مصالحه الشخصية وتقديراته لفرص القنص المتاحة، وكأنه غريب على قوانين الجيش وضوابطه منذ تأسيسه عام 1921.
كذلك الحال بالنسبة إلى أحد المدراء العاميين الذي يصر هو أيضا على حتمية شموله بالقرار المذكور لأن بن خالته كان مسجونا من قبل النظام وبسببه لم يحصل على فرصة للترقية إلى منصب أعلى من المدير العام زمن صدام، متناسيا أنه قد تبرأ من إبن خالته المنكوب في إجتماع لقيادة الفرقة الحزبية التي كان منتسبا إليها آنذاك.
إنه سلوك لا يتعدى محاولة الأستغفال والضحك على الذقون، والسعي لأستغفال الدولة وخرق لقوانينها وهدم لقيم السياسة ومعاييرها، واستهانة بعموم السياسيين، واحتقار لمعنى النضال، على الحكومة التنبه إليه ومتابعة قرارات اللجان وأقتصار تعريف الضرر على المعنيين دون الأمتداد إلى درجات القرابة المتشعبة، وعلى صيادي الفرص أن يأخذوا بالاعتبار أحتمالات إعادة النظر بالقرارات بعد أستتباب الأمن، عندها سيكون موقفهم اكثر حراجة وإن لم يفهموا الحرج في هذا الزمان.
د. سعد العبيدي 14/8/2007