أعترف العالم  بأزمة العيش المضطرب في العراق وكثرة الديون المترتبة عليه، وبمسؤلية النظام السابق عن بلوغها أرقاما قياسية لا يمكن العراقيين بإقتصادهم المتهرئ، وبأختيار أرضهم ساحة حرب شبه مستمرة، وظروف أنتقالهم الصعبة تحمل أعبائها، فبادرت غالبية الدول الشرقية والغربية بشطب مايقارب الثمانين بالمائة منها أو إلغاها نهائيا، إلا العرب الذين بقي معظمهم متفرجا أو متحيرا برؤياه من الديون والتعويضات تبعا لمواقفهم من الحكومة والكتل، والطوائف، وتطورات السياسة، وهم العارفين جيدا بدهاليزها المظلمة، ومع إن عتب العراقيين في هذا الأمر أتجه إلى التعميم ليشمل غالبية العرب مع بدايات التغيير، والسنين التي أعقبته تبعا لتوقع المؤازرة والدعم، ومشاعر القومية، لكنه عتب من النوع الذي تضيق حزمة أتجاهاته بالتقادم الزمني نفسيا لتنحسر في محيط الدائرة القريبة من حولهم، وبأتجاه الطرف الذي تبقى بعض المشاكل عالقة معه، خاصة تلك التي تحسسوا ألمها سوية في مرحلة زمنية وصفت بالأسوء في تاريخهم المشترك، فكانت الكويت الشقيقة في أعلى حزمة العتب، وكان برلمانها محور هذا العتب بعدما تبين للجمهور العراقي أن الأخوة فيه وليست الحكومة الكويتية من لا يقبل بإنهاء مشكلة التعويضات التي فرضت على العراق إثر غزو صدام لأراضيهم عام 1990.

إن التعويضات إلتزام دولي على العراق لا يمكن لأحد من العراقيين نكران حقيقته،  ولا يمكنهم أيضا نكران ما تسببهُ الغزو من مأساة مريعة عاشها الأخوة الكويتيون لأكثر من عام، كما لا يمكن لأحد منهم وباقي البشر أن ينكر حقيقة المشاعر العدائية التي خلقتها المأساة عند غالبية الكويتيين بالضد من مصدر تكوينها"العراق" والتي حكمت ومازالت تحكم سلوك ومواقف البعض ممن عانوا آثارها وإلى مستوى إصرار قسم من أعضاء البرلمان الكويتي على رفض أية مقترحات تتعلق بمناقشة إيقاف التعويضات كعقوبة دولية فرضت على نظام أريد له الموت، وأريد للعقوبة أن تكون أحد أدوات إماتته.

إن عقوبة التعويضات قد أدت غرضها الرئيسي غير المعلن، وقد مات النظام المطلوب معاقبته، وأصبح من غير المنطقي أن تبقى " أي العقوبة" وسيلة ذبح وإماتة لشعب لم تغادر دياره المأساة منذ ما يقارب الثلاثة عقود من الزمان، وأصبح من غير المنطقي كذلك عدم التفكير بدواعي تحمل العراقيون عقوبات وجهت لغيرهم، ومن غير المنطقي أيضا التجاوز على حقيقة أن العيش في أتون المأساة لفترات زمنية طويلة سيخلق بالمقابل مشاعر عداء بالضد من مصادر تكوينها، وهذه مشاعر يفترض أن لا يتكرر وجودها عند العراقيين والكويتيين في آن معا، لأنها قد تسحبهم مستقبلا إلى أنواع من الصراع تفوق تكاليفه المادية والنفسية ما تقدمه التعويضات من منافع أفتراضية مئات المرات، من هذا يعد الوقت مناسبا للبرلمان الكويتي في إعادة النظر بمواقفه المعارضة لإيقاف التعويضات التي لا يتحمل الشعب العراقي وزرها، وأن يسير بالاتجاه الذي تسير فيه الحكومة الكويتية، ويحسم هذا الموضوع وغيره من المواضيع العالقة ليؤمن مصالح الشعب الكويتي وشقيقه العراقي في العيش الآمن جنبا إلى جنب بقدر من التسامح والمودة، والمصالح المشتركة، وبعد النظر، دون الحاجة إلى مشاعر عداء متبادل، وإلى ألغام نفسية تزرع في الزمن الخطأ، ومن الأشخاص الخطأ، لتُفجر أو تنفجر في الوقت الذي يراد لها ذلك، متسببة في عودة مأسأة وأستنزاف للموارد والجهود، ورجوع إلى نقطة الصفر ...... على الكويتين والعراقيين تجنب حدوثها قبل فوات الأوان.

د. سعد العبيدي                         23/11/ 2007