أصبح الأمن هاجس جميع العراقيين بعدما وصلت آثاره السلبية في القتل والاغتيال، والسلب، والتهجير عتبات البيوت، ومكاتب السياسيين، ومواكب المسئولين. وكعادتهم في الهواجس والأزمات هرول الكثير إلى الأمام يجتهد بعضهم حلا على طريقته الخاصة، ويضع بعضهم حزمة حلول تبعا لمنفعته الخاصة، ويقدم بعضهم الآخر مقترحات أقرب إلى الواقع تبعا إلى خبرته الخاصة، وهكذا الحال أو المنطق في أية أزمة أو مشكلة تواجه الإنسان يستثار فيها، ويثير الآخرين ليقدموا ما بجعبتهم لتجاوز آثارها الضاغطة، وليتخلصوا من تهديداتها المباشرة على أمنهم الشخصي.

لكن غير المنطقي فيها عندما يتوجه البعض من السياسيين الذين يتحملون مسئولية جر البلاد إلى حالة الاضطراب الأمني، وأعضاء برلمان معنيون بتطوراتها السلبية في مقترحاتهم لتقديم الحلول إلى محاولة تسييس العملية الأمنية من خلال سعيهم إلى تشكيل هيئة أمنية من ممثلي الكتل السياسية لإدارة هذه العملية المعقدة معتقدين أنها قادرة على وضع الحلول السحرية دون أن يلتفتوا إلى واقع مؤسستهم التشريعية التي لم يستطيعوا أن يجدوا حلا لتناقضاتها التي تثير التوتر والاضطراب الأمني، ودون أن يتحسبوا إلى أن هذه الهيئة ستشكل مثل غيرها عن طريق المحاصصة من جهات قسم منها غير منسجم والخطة الأمنية القائمة، وعدم انسجامهم هذا سيشل بطبيعة الحال منظومة القرار ويزيد من الارتباك، والقسم الآخر يفسر خطئا أي تحرك عسكري في منطقته، وتفسيره الخطأ يعني أعاقة خطوات العسكر في التنفيذ أو تسريب لمعلومات عنهم إلى جهات مشبوهة تؤدي بالنتيجة إلى تردي الوضع الأمني، وقسم منهم استعراضيون يودون استغلال الأزمة لأغراض الصعود السريع، والسعي في الصعود السريع أيام المحنة حرق لكثير من الفنيين والمختصين على الطريق، ومجازفة غير محسوبة قد تودي بحياة الكثير على ذات الطريق.

إن مسألة الأمن مسألة فنية تخصصية، والقتال على أرض الوطن، وفي قراه ومدنه مع البعض من الأهل والدخلاء من أعقد أنواع القتال التي لا تستوعب كثر الاجتهاد والتشتت، ولا تتحمل وسع التدخل الفني للسياسيين الذي يثير حفيظة المقاتل من أبناء القوات المسلحة في الميدان، ويخل في جوانب القيادة والسيطرة المطلوبة بما يزيد من هامش التعقيد.

إن مهام السياسيين والمشرعين فيما يتعلق بالأمن وخطة الحكومة في تحقيقه تتركز على  التفويض بالقتال، ومن ثم حشد الجهد لدعم العسكر في قتالهم الحرج سياسيا من خلال التقليل من التحريض في كلماتهم وحواراتهم التي تضيف عوامل جديدة للتأزم والتعقيد، والدعم المعنوي الذي يحتاجه الجندي في ساحة القتال، وتوعية أهالي مناطقهم بخطورة عدم التعاون مع العسكر في الميدان، وتشجيعهم على تفسير مواقف الحكومة تفسيرا وطنيا وليس طائفيا، والوقوف معها، وكذلك من خلال الضغط إقليميا ودوليا لتجفيف منابع دعم المسلحين والإرهابيين، الخ من أعمال ينبغي أن يقوموا بها أوقات الأزمات بدلا من الوقوع في مستنقع المقترحات، والتخبط في تقديمها، لأن تحقيق الأمن الفعلي والاستقرار لا يعتمد على كثر المقترحات التي تغيّبْ أو تستثني الجهد الفني ميدانيا، ولا  يتوقف على البندقية رغم أهميتها بيد السياسي، ولا يتحقق في حال السعي للتدخل في شؤون العسكر فنيا، إنه عملية مشتركة من قرار يتخذه السياسيون، وإجراء ينفذه العسكريون، لا يجوز فيه أن يحتج العسكر على طبيعته، ولا يتدخل السياسيون في جوانبه الفنية، معادلة نأمل أن يدرك ماهيتها السياسيون ويتركوا العسكر في ساحتهم المهنية يقاتلون، ويتركوا الحكومة في ساحتها السياسية تعالج الموقف بقدرتها المتاحة.                              

 د. سعد العبيدي             21/7/2006