أقر الأمريكان أصحاب القدرة على الإقرار والمتابعة والإحصاء بأن العنف قد انخفض في عموم العراق، والأمن قد تحسن بشكل ملموس حتى عُدَّ الشهر الفائت الأقل خسارة في الأرواح بالنسبة إلى العراقيين. وتلمس العرب جهد الدولة في بسط الأمن لكل البلاد، وأيقنوا أو أيقن الكثير منهم بعدم جدوى الإنعزال وعزل العراق عن محيطه العربي، فعبروا عن رغبتهم في العودة إليه بسفراء وأستثمار ووعود بإطفاء الديون مثلما فعل الأغراب أملا في ملء الفراغ الذي بادر الغير إلى إملاءه بكثافة وأقتدار. وفعل الأوربيون القريبون إلى النفس العراقية ذات الشيئ فجاء وزير خارجية فرنسا أحد أهم دولهم زائرا وداعيا إلى مزيد من التعاون والتفاهم والأستثمار متجاوزا على مرحلة زمنية كانت فيها دولته الأكثر معارضة من بين الأوربيون لخطوات وأساليب التغيير، وللتفرد الأمريكي في إدارة الأزمة ليس في العراق بؤرتها الرئيسية، بل وعلى طول وعرض المنطقة المثيرة لعديد من الأزمات، بعد أن تلمست التحسن الأمني، وأدركت أن المستقبل مفتوح لمزيد من التحسن والتطور والأنفتاح والتعاون الذي يمكن أن تستفاد هي وأشقائها الأوربيون من فرصة حدوثه، مناصفة مع العراقيين المحتاجين جدا إلى النمو والتطوير. وتحركت الحكومة التي أدارت العملية الأمنية بشكل مثمر رغم كل العقبات التي واجهتها، وقلبت التوازن مع قوى الإرهاب لصالحها حيث الإنتقال إلى المبادرة في الهجوم وإرغام العدو على الدفاع لأول مرة في تاريخ القتال الجاري منذ ما يزيد على الخمس سنوات، تحركا بات واضحا على مستوى الإقتصاد، والإدارة سيعزز التحسن الأمني، وسيفتح قنوات عديدة لأغراض التعزيز إذا ما أردفته بتحرك جاد في الخدمات بنفس قوة الدفع التي بدأتها في باقي المجالات.

لكن الأهم من إقرار الأمريكان، وتيقن الأوربيون، وتلمس العرب، وتحرك الحكومة، هو تفهم العراقيون لهذا التحسن، واقتناعهم به، وأستغلالهم له، ومشاركتهم في دعم وتعزيز وجوده، لأن تفهمهم لحصوله سيقربهم أكثر من الحكومة التي تحتاج إلى جهد كل واحد منهم ليكون في خندق المدافعين عن إيجابياته.

وإقتناعهم به سيدفعهم إلى الخروج من طوق الشك والعزلة، وسيشجعهم على حث الآخرين القريبين للخروج معهم في إنطلاقة قوية إلى الأمام نحو العمل الذي يسرع من تحرك عجلة الأقتصاد وإبعاد شبح الإضطراب الأمني على المستوين المادي والنفسي، ويؤسس قاعدة أستقرار يصعب خرقها في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء.  

وأستغلالهم لحصوله جهد لإعادة توثيق وتفعيل علاقاتهم الإجتماعية اللازمة لإعادة اللحمة بين الطوائف والأقوام التي ستسد كل الثغرات التي أسس عليها الإرهاب في مشاريعه للنفاذ والتدمير، وستعيق كل الخطوات التي تخطوها القاعدة وقوى التطرف للفتك وإعاقة البناء، وستعيد معالم الود والتعاون، وروح الإنسانية التي تتطلبها الحياة العصرية في عراق بلا إرهاب.

ومشاركتهم في دعمه وتعزيزه من خلال الرصد المتتابع لأعمال الأغراب في التخريب والتجاوز، والإبتعاد عن الإعاقة والإهمال، ومن خلال السعي لتقويم الخطأ عند الذات والقريبين منها، والنطق بالحق على طول الطريق، وغيرها الكثير ستجعلهم في معادلته طرفا قادرا على الردع والتصحيح، ومتمكنا من المساهمة في إعادة بناء لايمكن أن تتحمل مسئوليته الحكومة وحدها وإن بذلت المزيد من الجهد والمال.   

6/6/ 2008