لا يشك أحد في إن من بين السياسيين الحالين في العراق ثقاة وطنيون يسعون فعلا إلى المصالحة وإعادة بناء العراق الديمقراطي التعددي، ومن بينهم أيضا انتهازيون نفعيون استثمروا اضطراب الساحة الداخلية، وقلق الدول الإقليمية ولعبوا على حبال المصالح الذاتية، ودعم المؤسسات والجماعات الإقليمية والدولية فكسبوا، وفتحوا دكاكين للسياسة تبيع، وتساوم على كل المشاريع المطروحة بينها المصالحة، وإعادة البناء. 

ولا يشك أحد في إن أهل الخير والاستقامة في السياسة، والجوانب المهنية يتناقصون تدريجيا بحكم التعب واليأس من عدم القدرة على مجاراة النفعية، ودسائس الانتهازية وأتساع هامش المافيوية الإدارية والمالية، وفي الجانب المقابل يزيد تدريجيا فعل الخطأ وتزداد أعداد المسيئين، والمعرقلين حتى انقلبت المعادلة بين الخير والشر بمستوى ينذر بالخطر على حاضر البلاد ومستقبلها إذا لم يدرك المعنيون طبيعة هذا الخطر ويستنفروا قواهم ويبدءوا ثورة من داخلهم على أنفسهم، والقريبين منهم عسى أن يجلبوا إلى جانبهم أولئك المحبطين الواقفين في الانتظار على تل السلامة داخل العراق وخارجه، ويرفعوا من نسبة الخير في تلك المعادلة المختلة في عراق بات الشر سمة تميز شخصية أبناءه في مواقف الحياة المتعددة إلى مستوى وكأن الواحد منهم يحمل في أحد جيوبه أو في داخله أفعى قاتلة وجد في استخدامها للتعامل مع الآخرين الوسيلة الوحيدة للترويح عن انفعالاته السلبية أو لتحقيق مآربه الذاتية، أو لإزالة عقبة في طريق الحصول على منافع شخصية ...... سمة لا يختلف فيها السياسي الذي يفتش بين الدول والجماعات عن دعم لمشروعه الخاص بالمصالحة الوطنية بعد أن أعلنت الحكومة عن مشروعها رسميا، بقصد لا يتعدى السعي إلى قتل مشروع الحكومة بلدغة أفعى تدر عليه الملايين من الدولارات، وهو أي السياسي لا يختلف عن الوزير الذي جلب حاشيته عند استيزاره، ووزعهم على مفاصل الوزارة ليفتشوا بين دفاترها ووثائقها عن أخطاء الوزير السابق وحاشيته، ويبدءوا في تنفيذ خطط الوزير اللاحق من نقطة صفر ينسفوا فيها كل ما سبق وبطريقة لدغ من أفعى صحراء لا ترحم، والاثنان لا يختلفان عن توجهات المدير العام الفاسد في تعاقده لشراء سلاح لا ينفع وطائرات لا تقلع، وتجهيزات لا تصلح ولا عن طريقته في تمرير العقود يوم أقصى من يقف في طريقه بلسعة أفعى مهلكة، وجميعهم منطقيا لا يختلفون عن رجال العصابات، وبعض أفراد المليشيات الذين يقتلون بعضهم البعض من أجل السيطرة وتوسيع هامش التحصيل والنفوذ بوسائل غدر تعبر عن فلسفة الأفعى في داخلهم، وهكذا تمتد السمة أو تزحف إلى جوانب الإدارة والعلاقات العامة حتى يجد المتتبع في لغة الحوار بين الموظفين، والناس العاديين، وعموم العراقيين قد تحولت بسبب هذه التراكمات العدائية إلى لغة زادت فيها مفردات الذم والنقد والتجريح، وأصبحت فيها الإشاعات مادة تقترب من الحقيقة والادعاءات الباطلة تعبير عن وجهة النظر الصحيحة، يريد منها الواحد أن يلغي الآخر أو يقصيه بطريقة عدائية يمكن تشبيهها مجازا بلدغة أفعى.  

إن هذه المشاعر، وأساليب التعامل، والرغبة بالإزاحة كارثة اجتماعية نمت وتوسعت بسبب الإدارة النفسية غير الصحيحة للمجتمع ستكون من بين العوامل التي تحول دون نجاح المصالحة، وستعرقل خطط التنمية وإعادة بناء البلاد التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها بنوايا طيبة لأن المصالحة مشروع يعتمد على مصالحة الذات وإخراج الأفعى السامة من نهج تفكيرها، وإعادة البناء مشروع يتأسس على همة الجميع وتكاتفهم بعيدا عن اللدغ، والتسقيط. إنها كارثة نحن العراقيين مسئولون عنها، وحلها الوحيد أن نقتل الأفعى السامة في ذواتنا قبل أن تقتلنا في نهاية المطاف.                 

  د. سعد العبيدي                         15/9/2006