طالب في الثانوية يتظاهر مع زملاء له بعد استلامه النتيجة غير المرضية احتجاجا على صعوبة الأسئلة مؤكدا حقه في التعبير عن الرأي بحرية، في الوقت الذي يتوجه فيه بعض الأساتذة المعنيين بوضع الأسئلة إلى تقنين الأسئلة لتقيس حقا  مستوى الأداء الفعلي للتلميذ المطلوب مساهمته في عراق الحرية.

وملازم في الجيش العراقي قد أحيل على التقاعد في ستينات القرن الماضي لمعاداته النظام السابق حضر إلى مركز التطوع يتكئ على عصا مطالبا إعادته إلى الخدمة العسكرية برتبة أقرانه المستمرين بها لأسباب سياسية، في وقت تعمدت فيه الكثير من دوائر الدولة ومؤسساتها عدم تنفيذ قرارات مجلس الحكم الخاصة بإعادة الشباب والعلماء والمختصين المفصولين من وظائفهم الحكومية لأسباب سياسية.

وأستاذ لمادة الباطنية بكلية طب في بغداد ينتقد الوضع الحاصل بعد التغيير في كل جلساته مع الأهل والأصدقاء مؤكدا بانفعال وعصبية أن التردي قد وصل حدا لا يحتمل وخاصة في مجال الفساد، وهو ما زال يعطي حتى الامتحانات النهائية لهذه السنة دروسا خصوصية لتقوية طلبته، خاتما محاضرته الأخيرة بتوصية أن يضع الواحد منهم إشارة على آخر سؤال يجيبه يتفق معهم على نوعها، وعلى شرط قوامه إن زاد عدد الإشارات على عدد الطلبة الحاضرين محاضراته الخصوصية الدافعين بسخاء سيهمل كل الدفاتر الامتحانية التي تحمل تلك الإشارات، دون أن يؤمن ولو مرة أن ما يقوم به وهو الطبيب الاختصاصي والأستاذ الجامعي قمة الفساد.

وضابط تمرس العمل جيدا في شرطة المرور مكلف من قبل الجهة الحكومية التي يمثلها طبقا للقانون أن يكافح المخالفة في هذه الظروف الصعبة ويضبط التجاوز على قوانين المرور، يقود مفرزة، يجلس في إحدى سياراتها على انفراد يكلف شرطي معه باصطياد السيارات التي لا تحمل أرقاما وهي تمر قريبا منه في طريقها إلى إكمال عملية التسجيل، يلقي على السائق أي الصيد محاضرة بمخالفته تعليمات المرور في التجوال بسيارته بلا أرقام، ويأمر الشرطي بتحرير المخالفة فيتعاطف الأخير مع الضحية في تمثيلية يرجوا فيها الضابط بحسم الأمر لقاء عشرة آلاف دينار دون أن يفكر يوما أن فعلته هذه إخلال بكل قوانين المرور.

وموظفة شابة توسطت مدير شركتها على تعيين صديقتها في أحد أفرع الشركة وهي الصديقة التي تمتلك خبرة جيدة وتجيد لغة ثانية غير لغتها العربية، مدعية أنها تفعل ذلك تحت بند الإخلاص، فوافق المدير شرط أن تلائم كفاءة المرشحة ما تريده الشركة، وشرط أن يقابلها بنفسه للتأكد من ذلك شخصيا، وبعد اختبار الكفاءة ومقابلة لا تزيد عن عشرة دقائق وافق المدير على تعيينها في مكتبه، وفي أول يوم دوام جاءت الصديقة إلى صديقتها مهنئة لها بالمباشرة، مشيرة إلى الدور الذي لعبته وإلى حقوق الصداقة، مذكرة في نفس الوقت أن لا تنسى هديتها، وهديتها في الحالة هذه ربع الراتب الذي ستستلمه أول الشهر لمدة عام، مؤكدة أن هذا هو العربون الفعلي للصداقة. 

وهناك الكثير من الخطأ والتجاوز بين المدراء والمسئولين وأرباب الأسر والكادحين يؤشر حدوثها ونسب تكرار الحدوث اضطراب النظام القيمي العراقي الذي بدأت أولى معالمه إبان الحكم البائد، ويؤشر أيضا أنه محنة لا يمكن التخلص منها بالتوعد وإصدار القرارات، بل بالسعي الجاد للسياسيين الجدد لتجاوز آثار الاضطراب عائليا وعشائريا، والاعتماد في الاختيار لتحمل المسئولية على مبدأ الشخص المناسب للمكان المناسب، والإيمان بالتضحية، وسلوك القدوة الذي ينبع أولا من بين مقراتهم ودوائر الوزراء، وإلا سيدفع الجميع ثمن الاضطراب وإن اعتقدوا أنهم بعيدين عن شضاياه المتناثرة.      

                                                                           د. سعد العبيدي

                                                                           16/7/2004