سياسة الدولة الدفاعية التي تشمل تلك القواعد والمبادئ التي تنظم استخدام جميع إمكاناتها المادية، والمعنوية، والبشرية، والثقافية، والسياسية والعسكرية استخداما مناسبا يصون أمنها الوطني، أو بمعنى أدق تعبئة كل إمكانيات الدولة، والمجتمع من أجل إيجاد قدرة على تجنب الرضوخ أو الاستسلام لرغبات دولة أخرى أو جماعة محددة بما يخل بالأمن، وحماية المصالح الوطنية، وهذه قواعد للسياسة الدفاعية تلزم المعنيين في حال العمل على رسم خطوطها العامة تحديد أهداف الدولة، ومن ثم المصالح الوطنية التي لا يمكن المساس بها، وكذلك تقدير إمكاناتها المتاحة في تنمية القدرة، وأخيرا مصادر التهديد الموجودة، والمحتملة التي يمكن أن تخل بالمصالح الوطنية، سواء منها الداخلية أو الخارجية، وهذا مفهوم إجرائي للسياسة الدفاعية ومتطلبات تحديدها واضح المعالم، لو حاولنا نقل ما يتم فيه إلى لوحة الدولة العراقية بالوقت الحاضر نجد وبشكل لا يقبل اللبس أنها وبعد سنتين ونصف من عملية التغيير، وبسبب إقحامها في أتون الحرب بالضد من الارهاب، والأعمال المسلحة، وقلة الخبرة، وشكل الإدارة، وطول مرحلة الصيرورة إبتعدت أو أهملت هذا الموضوع الذي يعد أكثر الأمور تأثيرا، وخطورة على حاضر العراق ومستقبله. وفي مجاله لا نريد الخوض في تفاصيل الأهداف، والمصالح الوطنية أحد أعمدة السياسة الدفاعية التي باتت مجهولة تماما لجمهور العراقيين، وغير واضحة المعالم للصفوة من المسئولين، الذين لم يتفقوا خلال إدارتهم للبلاد على ماهية الأهداف المطلوب تحقيقها، والمصالح التي لا يمكن المساس بها. ولا نريدالالتفات أيضا إلى التقدير الكمي لإمكانات العراق المتاحة، العمود الثاني لها لأن التقدير مسألة صعبة في وضع قوضت خلاله أسس الإحصاء والتقييم، والعديد من البنى التحتية التي تعد أساسا في حساب الإمكانيات.

إلا إن المسألة مختلفة بالنسبة إلى العمود الثالث ذو الصلة بالتهديدات المخلة بالمصالح الوطنية، لأن القفز من فوقها لا يسمح بتحديد سياسة دفاعية يحشد فيها جهد الدولة، والمجتمع لتوازن رادع يجنب العراق خرقا يمهد إلى جره إلى المزيد من التعطيل والتدمير، ولأن التطرق إليها، ولو بشكل بسيط يعطي تصورا عن أزمة فعلية في مجال إعدادها بالوقت الراهن، والمستقبل القريب يكون فيها العراق قادرا على الحيلولة دون الخرق العمدي لأمنه الوطني، والدليل على ذلك أن الساسة العراقيون المشاركون بالحكم منذ التغيير حتى هذه اللحظة لم يتفقوا على تحديد العدو، والعدو المحتمل، ولم يجرؤ أحد أن يذكر عدوا، وكأن العراق سيعيش وحيدا في هذا العالم المتصارع بلا أعداء وأعداء محتملين، ولم يتفقوا على توصيف سلوك التدخل المباشر أو غير المباشر لبعض دول الإقليم فيما إذا كان تهديدا لمصلحة العراق العليا في الأمن وبناء الدولة الديمقراطية، وإن عدم الاتفاق في ظروف التوتر والاضطراب أزمة.

ولم يستطيعوا أن يقنعوا بعضهم البعض، ولا المواطن الذي انتخبهم فيما إذا كان ذاك السلوك عامل دعم لعمل الجماعات المسلحة المضادة، وتعزيز للتخريب القيمي بين شباب العراق المعول عليهم في عملية الدفاع، أم إنه مجرد مواقف خاصة لجماعات لا تسيطر الدولة على مخرجاته في ظروف فقد فيه الجميع الضبط والسيطرة، وعدم التمكن من الإقناع في ضل التداخل والالتباس أزمة.  

إن الواضح للعيان هو العكس من ذلك حيث التوجه البيّن لبعض السياسيين إلى تبرير أو نفي سلوك التدخل، دون التوقف عنده مصدر تهديد ولو محتمل يمكن أن يتطور ليكون إلى المستوى الذي يمهد إلى تدمير العراق، أو وضعه في حساب التهديدات التي لا بد وأن تؤخذ بنظر الاعتبار في المحافظة على العراق ومصالحه الوطنية وإن أتت من الأشقاء، والواضح للعيان أيضا أن موضوع السياسة الدفاعية أزمة لا يمكن أن تنهتي إلا إذا وضع المشاركون في الحكم مصلحة العراق العليا فوق مصالح الأحزاب التي ستؤمن يوما أن عيشها مرتبط حتما بمصلحة العراق.

د. سعد العبيدي                                      24/9/2005