يمر العراق دولة وشعبا بأزمة شديدة في وقتنا الراهن، مردها إستهداف الحكومة من قبل الدولة الأقوى في العالم بعد أن وضعتها في خانة الشر والإرهاب، بأسلوب قربها وبما لا يقبل الشك من حافة الحرب التي أصبحت حتمية بكل المعايير والقياسات السياسية، والعسكرية والإستخبارية.

وحرب قريبة تقتضي التفكير الجاد بطرق وأساليب التعامل مع حالاتها الأسوء، وتقتضي ايضا سعي الجميع بعثيين وغير بعثيين للعمل باتجاه التجاوز المنطقي للأزمة.

وكذلك السعي لحشد الجهد اللازم للتخلص من شرورها يقتضي أولا النظر إلى كل جوانبها نظرة تأن وإمعان .... لا تقتصر على التنديد والشجب الذي إعتادت عليه أجهزة الإعلام العراقية طيلة السنوات السابقة.

ولا تعتمد التعبئة القسرية التي مارستها أجهزة الحزب والدولة خلال العقود الثلاثة  الماضية.

ولا حتى إعادة نشر الفيالق والفرق التي إعتمدتها القوات العامة للقوات المسلحة في حروبها الماضية.

لأن الأهم منها جميعا تهيئة المجتمع العراقي للتعامل مع الأزمة بصدق ونوايا حسنة، بعيدا عن المزايدة والانتهازية.

وخير عمل ينبغي أن تبادر به القيادة في هذه الظروف الصعبة للتعامل مع الحرب المحتملة هو التقليل من نفوذ الحزبيين الإنتهازيين في الشارع العراقي بعد أن أصبحت وجوه الكثير منهم تثير الكره تارة، والحقد والعدوان تارة أخرى، وأصبحت آثار وجودهم في الشارع تفوق سلبياتها، كل ما يمكن أن يقدمه الحزب من مساعدة في ضبط الشارع غير المستقر، لأنهم تعاملوا بطريقة خطأ مع الجمهور البائس خلال فترة زمنية طويلة الأمد.

إنها الحقيقة التي يجب إدراكها وتجاوزها قبل وقت الصدام الفعلي، وبعكسه أي بقاء سلطة الحزب في الشارع ستؤدي إلى أن يتصرف أبناء هذا الشارع تصرفا مضادا لما تريده القيادة ليس كرها لها أو حقدا عليها، بل وبسبب المواقف السابقة من بعض الحزبيين التي تركت آثارا سلبية عندما توجه عضو قيادة الفرقة على سبيل المثال إلى بيت الجار وإقتاد إبنهم ليعدمه في قارعة الطريق.

وعندما سار عضو قيادة الشعبة أمام الرفاق الحزبين ليطلق النار على إبن المنطقة لمجرد الشك بولاءه إلى قيادة الحزب والثورة.

إن الوقت قد حان للنظر إلى المشكلة نظرة وطنية أكبر من تصرف الحزبيين ومصالحهم في الشارع الملتهب، ونظرة من هذا النوع تقتضي التقليص الفعلي لنفوذ الحزبيين فيه، وإيكال مهامهم في غالبيتها إلى القوى الأمنية المتمرسة، وإلى العسكر الذي يكون قادرا بقوته وإنضباطه من السيطرة في كافة الظروف والمواقف.

إنه الوقت المناسب والزمن المناسب لتجاوز هذا الخطأ الفادح قبل فوات الأوان.


لندن: 8/2/2003