توزعت مفارز من جهاز المخابرات والأمن العامة بين شوارع مدينة الثورة وأزقتها، وكذلك في مدينتي الحرية والشعلة خلال الحرب الخليجية الثانية، أو أم المعارك كما أسماها صدام ، وكانت مهامها الرئيسية مراقبة وقمع الأهل في تلك المدن البغدادية المعروفة بمناوئة أهلها للنظام الحاكم، وشخص صدام، وعندما بدأت الحرب شددت الحكومة على منتسبي تلك المفارز أن يستخدموا كل القسر والشدة للتعامل مع الناس خاصة الشباب الذين بدأو يتحركون أفرادا، وجماعات بالضد من الحكومة عندما علموا بتحرك أقرانهم في الجنوب، ومع ذلك التحرك كانت المخابرات تزيد من عدد مفارزها أو تسد نقص بعضها الذي انسحب منتسبوه من نقاط تواجده دون الرجوع إلى آمريهم في أقسام وشعب المخابرات العامة. وعندما انتهت الحرب أشاد صدام برجاله من المخابرات الذين أسهموا حسب اعتقاده بالحيلولة دون اندلاع انتفاضة في تلك المدن كما هو الحال في مدن العراق الأربعة عشر الأخرى، ووجه وهو في أعلى درجات الإشادة بضرورة تدمير الفقاعة كما أسماها مع بدايات تكوينها وباستخدام المتاح من وسائل التدمير، وكان قصده بالفقاعة تجمعات الشباب المناهضين للحكومة.

لكن الأمر في حرب التحرير هـذه المرة سيكون مختلفا عما كان عليه الحال في العام 1991.

إذ أن المعارك ستكون ساحاتها كل المدن العراقية من الشمال إلى أقصى الجنوب، كما هو متوقع، وستكون أهدافها رأس وشكل النظام، الأمر الذي يضع منتسبي المخابرات، وغيرها من الأجهزة الأمنية في حرج حقيقي. لأن ارتكاب الخطأ في قتل الناس العراقيين سيحاسب عليه القانون الذي سيطبق بأمانة وفاعلية ما بعد التغيير، والحساب سيكون عسيرا بطبيعة الحال. والأهل والعشيرة سوف لن يسكتون عن دم أبنائهم المقتولين على أيدي رجال الأمن بعدما تتاح لهم حرية المطالبة دون خوف من أجهزة الحكومة والمخابرات.

كما أن الحكومة المطلوب وجودها من قبل الحلفاء قد تغيب في الأيام الأولى للحرب عندها سوف لن تكون هناك مرجعية لمفارز المخابرات، ولا لضباطها المكلفين بواجبات خاصة بين الجمهور العراقي، وعندها سوف يصعب السيطرة على انفعال الجماهير إذا ما شعرت بذاك الغياب.

وفي هذه الحالة سيكون ضابط المخابرات من بين الأهداف المقصودة لذاك الجمهور المتعطش للخلاص، وهذا أمر قابل للحدوث بنسب كبيرة مما يدفع إلى التفكر جديا بأن الفرصة المتاحة لمنتسبي المفارز وضباط المخابرات أن يتخلوا عن تلك المهام التي تزيد من احتكاكهم بالجمهور في الظروف غير الاعتيادية، وأن يتوجهوا إلى بيوتهم، يجلسوا فيها مع أول إشارات لبدء الحرب لينقذوا حياتهم، وحياة عوائلهم وباقي العراقيين قبل فوات الأوان.    


لندن: 23/2/2003