بحدود الساعة السادسة والنصف مساء يوم 23 شباط هاجم صدام موقف المتخاذلين العرب. أولئك الذين لم يجازفوا يحاضرهم ومستقبل أمتهم ووقفوا إلى جانب أعماله العدوانية وأيدوا حربه المقبلة بالضد من الأمريكان والحلفاء، معاودا نغمة سابقة طالما اتكأ عليها في حرب الثمان سنوات مع إيران، وهي أن دفاع العراق بمواجهة الولايات المتحدة سيكون دفاعا عن الأمة العربية.

ولم يكتف صدام بهذا الاتهام غير المنطقي للعرب الذين يعرفون جيدا قدراتهم العسكرية ويعرفون أيضا قدرات الأمريكان، وباتوا يتصرفون على أساسها بسلام مع شعوب الأرض أمريكية كانت أم آسيوية، وقال خلال استقباله وزير الدولة اللبناني طلال أرسلان حسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية في ذلك التاريخ أن الأمة العربية عندما تتنازل عن دورها الإنساني تكون قد خذلت الإنسانية.

إن العرب اليوم ليسوا بحاجة إلى دروس في القومية من حاكم هدّمَ عناصر وأسس القومية يوم غزا الكويت وتآمر على سوريا، وأسف على عدم مهاجمة السعودية، وشتم مصر، وقدم العون سخيا لمن أراد توسيع رقعة الحرب الأهلية في لبنان.

وإنهم ليسوا بحاجة أيضا إلى وعض في الوطنية، لأن عديد من العرب أقرب إلى شعوبهم من صدام الذي لم يبق من مشاعر الاقتراب الوطني من حكومته في قلوب العراقيين أي أساس يوم هاجم حلبجة بالكيماوي، وأدخل دباباته إلى حضرة الأمام علي، والحسين، ويوم أباد عرب الأهوار وهجرّهمْ خارجها، وذبح الجبور، والدليم، ويوم قتل غيلة خيرة رجالات تكريت.

إن صدام الذي يبدو مضطربا في آخر أيامه، يعتقد أنه يتعامل مع العرب كما كان يتعامل معهم في الثمانينات عندما كان يبذل دماء العراقيين في ساحات المعارك دون تردد، وعندما كان ينفق من أجل الرشوة وشراء الذمم مليارات الدولارات من أموال العراق دون تحسب، ودون أن يفهم أن الزمن قد تغير.

فالعراقيون اليوم غير مستعدين لبذل دمائهم هدرا من أجله وهو في حالة احتضار، وخزائن حكومته خاوية إلا من القليل المخصص لأغراض الأمن والمتع الغريزية، والعائلة غير مستعدة لصرف دولارا من أموالها المكدسة في الخارج وهي في أشد حالات القلق من المستقبل المجهول.  

إن المشكلة بالنسبة إلى صدام لم يتعلم من خبرة الماضي، لأنه مريض بداء الوهم والعظمة، وإلا كان قد أدرك خطأه يوم خسر الحرب عام 1991 وتصرف بحلم في تنفيذ كل قرارات الأمم المتحدة حرفيا، ولأدرك أن لا فرصة للنجاة أمامه إلا في التخلي عن كرسي الحكم سلميا إلى الشعب العراقي لينقذ حياته وحياة عائلته، وأقرباءه، وكثير من العراقيين قبل فوات الأوان.            

لندن: 24/2/2003