تسربت معلومات تفيد أن صدام حسين في خطته لمواجهة الحلفاء في الحرب المقبلة سيعطي أوامره بتنفيذ خطة تدمير آبار النفط العراقية، وحرق آلاف البراميل من البترول وضعت في أماكن أعدت مسبقا، وقصده من ذلك كما يردد أمام قيادته العامة وكبار ضباطه تكوين مانع صناعي من النار والدخان إزاء تقدم الحلفاء، أقله حجب الرؤيا والرصد.
إن صدام الذي يقود الحرب بتقنية قديمة، ويفهم وقائعها بطريقة العصابات سبق وأن جرب حرق الآبار الكويتية، التي وصل دخانها إلى بغداد وشمال العراق، ولم توقف تقدم القوات الحليفة أو تقلل من فاعلية الطائرات وأجهزة الرصد التي وعد صدام في أحد خطبه عام 1991 أن ذر قليل من التراب أمام طائرة الشبح يحول دون فاعليتها.
هكذا يدير صدام حربه واهما بامتلاكه القدرات الخارقة والفهم غير المحدود ... همه النجاة منها بأي ثمن كان، لم يضع في اعتباره ثروة العراق التي يريد تدميرها بأيادي أبناءه، ولم يحسب البيئة العراقية التي سيخربها بقراراته، يفكر أنه سيؤخر تقدم الحلفاء بإجراءاته تلك ولو يوما واحدا يضيفه على عمره الذي يحس نهاياته القريبة.
إن الغريب في أمر هذه الحرب المقبلة أن صدام يأمر بتدمير ثروة بلده، ويستخدمها وأجسام العراقيين وقودا ودروعا، وخصمه فيها يصدر الأوامر إلى عسكره بالمحافظة عليها، وإعادة ترميمها فورا فيما إذا تعرضت إلى التدمير العرضي.
وهذه الغرابة في الموقفين تدفع بنا نحن العراقيين أن نضع أنفسنا وسط هذا التناقض الغريب، دون تسليم أمرنا إلى القدر، أو التحجج بعدم القدرة على عصيان أمر يريده الحاكم وإن كان تدمير ثروتنا ومستقبلنا.
صحيح أن الفرصة لم تكن مواتية لنا في أن نقول لا على مستوى العلن بسبب طبيعة الحكم وقسوته، لكنها مواتية لنا في أن لا ننفذ أوامر تدمير الآبار وإشعال النيران فيها عندما تبدأ الحرب لأنها رصيدنا في تحسين حالنا بعد تعب السنين، وإنها ملكنا وأولادنا من بعدنا وليست ملكا لصدام الذي سيغادر هذه الدنيا غير مأسوفا عليه.
أن الواجب الوطني يحتم على كل ضابط يستلم مثل هذه الأوامر أن يتفنن في عدم تنفيذها، سواء بترك وحدته والذهاب إلى الأهل تخلصا من المسؤولية التاريخية أو الالتحاق بالجانب المعارض في الحرب والمساهمة في القضاء على الظلم والطغيان.
إن الوقت يجري من أمامنا وعلينا أن نتحسب لكل الأمور، وأن لا نرتكب المزيد من الآثام التي لن تنساها الأجيال في المستقبل.
الواجب الوطني يحتم أن نقف مع أنفسنا ونتذكر أن تحسين وضعنا المعيشي مرهون بثروتنا التي ينبغي أن نحافظ عليها بكل ما أوتينا من قوة قبل فوات الأوان.
لندن: 2/3/2003