عرض التلفزيون يوم أمس لقاءا مطولا للرئيس صدام حسين ووزير داخليته مع مدير الشرطة العام، ومدراء شرطة المحافظات، والدفاع المدني، والمرور، والجنسية. وهو لقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات تتابعية يقوم بها الرئيس بهدف تعبئة ورفع معنويات قواته من أجل الدفاع عن وجوده في الحرب المقبلة التي أكد الطرف المقابل فيها أن هدفها الأساسي صدام ونظام حكمه الدكتاتوري.

وفي مجالها يستطيع المتابع القول أن هذه اللقاءات وطريقة تنظيمها وإخراجها لم تكن جديدة بالنسبة إلى صدام وجميع العراقيين، وأسلوبه في الإسهاب وضحالة التوجيهات التي تصل مستوى الاغتسال ودخول الحمام ليست جديدة هي أيضا، كما إن التكرار، والترغيب والترهيب واستعراضية البعض من الحضور التي عادة ما يستخدمها صدام لتكبير صورته وتأكيد عظمته أمام المتلقي الذي يدفعه إلى المقارنة غير المباشرة بين منزلته، وقائد يتودد حد التذلل أو وزير يسترسل حد التزلف، ومدير يهتف حد الابتذال جميعها ليست جديدة بطبيعة الحال.

إلا أن الجديد الملاحظ في اللقاءات الأخيرة وقوف ضابط يحمل رتبة بمرسوم جمهوري يقدم ( هوسة ) يدبك على قافيتها، ويحرج الآخرين لأن يستجيبوا معه رقصا أو تلويحا بالأيادي وهم في اجتماع رسمي.

إن هذا الأسلوب الذي يظهر قادة الشرطة وقسم من ضباط الجيش بمظهر الاستخفاف بالرتبة والمنصب يدلل على أن القائم بها أما خائف من الرئيس غير مطمئن لردود فعله فتوجه للهوسة حلا يحمي به نفسه وهو في وضع الاضطراب، وإذا ما كان الأمر كذلك فهي مصيبة، لأن الخائف على حياته من الرئيس، لا يمكنه مقاتلة أعداء الرئيس في ساحة الحرب التي تكون فيها النجاة بنسبة أقل مما هي عليه في حضرة الرئيس، وقد تكون الهوسة وأسلوب أداء الرقص فيها دفعا للرئيس لأن يزيد مكرمته، وهو السخي في المكارم من المال العام، وإذا كانت هكذا فالمصيبة أعظم، إذ كيف يتسنى لضابط يستجدي الرئيس بأسلوب أصبح غير مستساغ من قبل العراقيين، وكيف يسمح لنفسه التحايل من أجل الكسب بهذه الطريقة التي لا تؤهله في أن يكون حاميا للعراق كما يحاول الرئيس إفهامه وباقي العراقيين في هذه الظروف الصعبة.

لكن الأمر لم يكن هكذا بالنسبة لجميع ضباط الجيش والشرطة إذ احتفظ في هذا اللقاء واللقاءات الأخرى ضباط من غير أهل الهوسة بكياستهم وحافظوا على انضباطهم العسكري، فتكلموا عندما طلب منهم كلاما ضمن الأصول العسكرية، وفي تقربهم أدوا التحية حسب السياقات العسكرية.

كأنهم بسلوكهم الكيس هذا يقولون لزملائهم من الضباط أعيدوا النظر بمواقفكم وتصرفاتكم قبل فوات الأوان.       


لندن: 26/2/2003