شهادة مراقب مدني لديمقراطية العسكر


الدكتور عبدالله الجبوري

E-mail: abdjubouri2002@yahoo.fr

 ما لذي جعل الأرض تقوم ولا تقعد خلال الأيام الماضية وتحديدا بين الثاني عشر والرابع عشر من تموز الجاري، أثر التظاهرة التي قادها الائتلاف الوطني العراقي ومن خلال عقده لمؤتمر الضباط الذين أرادوا أن يؤكدوا لأبناء العراق أن المناورات السياسية قد تؤجل وربما تمد من قضية حسم الصراع ما بين الدكتاتورية في بغداد وما بين العراقيين المشردين في بقاع الأرض والمهجرين من ديارهم والذين يعانون من الغربة كما يعاني منها أهل العراق في سجنهم الكبير ،،، هذا الائتلاف الوطني ليس بالاسم فقط بل لقد تمكن أن يخرج أفكاره في قضية من أصعب القضايا تعقيدا ، أخرجها إلى واقع تطبيقي فبعد أن هيأ الأرضية المتينة ليستند عليها العسكريون بكل صنوفهم وانتماءاتهم العقائدية ومذاهبهم الفكرية والفلسفية ويؤكدوا أمام جمع من الصحفيين ووكالات الأنباء أنهم يمثلون الطيف العراقي بكل ألوانه واتجاهاته مؤكدين أنهم ليسوا مدعومين من أية جهة دولية وهذا ما جعل رؤوسم تناطح السماء فخرا بعد أن كانت قوى النظام تكيل الاتهامات للمعارضة العراقية .  وقوى النظام بكل ما أوتيت من قدرة على الشتم وتلفيق التهم لم تستطع أن تتحمل هذا الصنيع بل لقد أستنفر النظام كل عملائه والراكضين وراء ما يدفعه لهم  .. لقد أعلنوها أي العسكر ، حقيقة راسخة أنهم جاءوا إلى  لندن مسلحين بالأيمان وبعدالة القضية العراقية يشاركهم حشد آخر من التيارات والاتجاهات السياسية الأخرى دينية وغير دينية ومن مختلف القوميات والأقليات التي تمثل الشعب العراقي بكامله .

ولأن النجاح الذي تحقق خلال اللحظات الأولى لافتتاح المؤتمر العسكري الذي استضافه التحالف العسكري العراقي ، العضو الأبرز في تشكيلة الائتلاف الوطني العراقي ، فقد سعى البعض ممن كانوا يراهنون على الفشل وممن راهنوا على أن هناك قوى كبرى وراء هذا الحشد وآخرون تكهنوا بما لا يصدقه العقل والمنطق ، فقد قامت قائمتهم وبتحريك من المخابرات العراقية وعملاءها في شتى بقاع الأرض للقيام بعمل يقلل من عظمة التظاهرة والهدوء الذي غلب على تصرفات القائمين على المؤتمر لا سيما العميد توفيق الياسري ، في حين نجد أن الذين ينادون بإسقاط النظام العراقي ومن خلال برامجهم من  على شاشة قناة أل     ( ANN) وأخص منهم بالذكر الأستاذ الدكتور نبيل ياسين الذي سعى جاهد إلى إفشال خطى الافتتاح عندما حاول إثارة الشغب  قبل انتهاء الجلسة لولا سعة الصدر وهدوء الطبع الذي تحلى به العميد الياسري والعميد الدكتور سعد العبيدي عندما أفهماه والقريبين أنه متجاوزا على ضوابط الجلسة ، وبذا أفشلا  مخطط المخابرات العراقية التي لا زالت تراهن على أن مؤتمرات المعارضة العراقية لا تبدأ إلا بالشجار ولا تنتهي إلا بالفشل ، وأظن أنها – أي المخابرات العراقية – وراء ما جرى وما يجري الآن  ، ولو بدون علم البعض الذين يتصرفون وربما بدون وعي لخطورة تصرفاتهم على مستقبل العراق كله ،، ففي أروقة البعض ممن لا يروق لهم أن يجدوا أية خطوة  للنجاح ، لا سيما بالجهود الذاتية التي كانت من أبرز سمات العمل السياسي للائتلاف الوطني العراقي ، أصبحت تدار الخطط لكي يفشلوا العمل الوطني النزيه الذي يتمثل في الائتلاف  .

للذين ينادون بإسقاط  النظام العراقي والذين يتباكون على أبناء العراق وغربتهم لم يحسنوا التصرف إزاء مثل هذه التظاهرة السياسية الناجحة فبدلا من أن يباركوا هذا الجهد ويتجنبوا إقحام برامجهم بالضد من رغبة العراقيين  ، نجدهم يكشرون عن أنيابهم لطعن المنظمين والقائمين على المؤتمر في ظهورهم متجاهلين أن يكون هناك من المراقبين والذين حضروا المؤتمر من ألفه إلى يائه وهم من المدنيين ممن راقبوا الأمور بدقة ولم يجدوا ثغرة بسيطة أو كبيرة إلا أشاروا إليها وما كان من العسكر إلا أن يؤكدوا بسلوكهم سعة الصدر والاستجابة والتصحيح دون منحى دكتاتوريا أو تعصب أعمى لرأيهم وهذا أرجو أن ينتبه لـه الدكتور نبيل ياسين الذي كان مرعوبا في برنامجه السابق ليوم الأحد 14 تموز وعلى العكس مما كنا نتوقع أن يكون مع أي جهد وطني منظم يطيح بالنظام العراقي ويبعد شبح الدكتاتورية ، وأن يباركوا لقاء عسكريا معارضا لم تشهد ساحته أي شبح طائفي أو عشائري .

لا أريد هنا أن أترك لنفسي الحديث عن الممارسة الديمقراطية التي تحلى بها الأخوة العسكر وهذه كانت طفرة وراثية في حياة القوات المسلحة ليس العراقية فقط ولكن في العالم لأننا نعرف جميعا أن الجيش صاحب مبدأ نفذ ولا تناقش وصدام استفاد كثيرا من ذلك في تأكيد المنهج الدكتاتوري بعد أن لبس البزة العسكرية وأغرته عندما وجد الجيش يطيعه للرتبة التي منحها لنفسه فتعمق لديه الغرور وزادت دكتاتوريته وتطرفه وقسوته ودمويته وتحولت عقده النفسية جميعا إلى سلوك غير سوي بعد أن وجد من هم يطبلون لـه وينحنون أمام جبروته .

إن العسكر ولأول مرة في تاريخ المعارضة العراقية يقدمون على تأسيس مجلس عسكري منتخب ديمقراطيا ولم تدخل فيه الرتب العسكري أو الصنوف أو العرق أو الدين أو الطائفة لتلعب دورها في التشكيلة التي خرجت إلى النور بثلاث ساعات فقط وعلى الرغم من بعض السلوكيات التي لم تتحمل أبدا مبدأ الديمقراطية في العمل العسكري المعارض إلا أن الغالبية صوتت بملء إرادتها على كل الصيغ والقرارات التي أرادوها أن ترى النور وفي لحظة من لحظات الاحتفال بهذه الديمقراطية غير المعهودة عند غالبية الحركات السياسية استطاع الأخوة الضباط أن يصوتوا كذلك على ميثاق للشرف العسكري تناولوا فيه عشر نقاط أبرزها ما يتعلق بالفيدرالية لعراق المستقبل المستقر المتوازن وعلى أن الحرب والعدوان ليست منهجا يتشرف به الجيش العراقي وأنهم حماة للشعب من أي انحراف في استغلال السلطة كما هو الحال في العراق .

هذه شهادة مراقب غير منحاز ولا يحاول أن يحرف الأمور لأنني أسعى من أجل الديمقراطية وأعمل لأجلها فكيف لي أن أخفي الحقيقة وأنا ممن يبحثون عنها وقد وجدتها في تجربة تأسيس مجلس عسكري مكون من قادة عسكريون همهم الوحيد أن يتحقق للعراق استقلاله وكرامته ، إنه لأسف شديد أن أجد بعض الأخوة العراقيين في القنوات الفضائية العربية أكثر المعارضين لمنهج العسكر الديمقراطي في الخلاص الوطني للعراق من أزمته . وأحب أن أتساءل ويتساءل معي الجميع لماذا هجوم البعض وبينهم المذكور على الائتلاف الوطني العراقي ممثلا بقيادته العسكرية والمدنية ؟ أ لأن الائتلاف استطاع أن يغير من المنهج المعتاد في اللقاءات السابقة التي تبدأ بالخلافات وتنتهي بالانقسامات ؟ وأريد أن أذّكر الأخوة في كل وسائل الإعلام : أن هذه التظاهرة التي فاقت التصور من حيث الإعداد والتنظيم والتغطية الإعلامية ألا تستحق أن نقف أمامها قليلا ونتأمل فيها البعد الوطني و الهدف الذي ينادي به الجميع وهو التغيير في العراق من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ومن تجزئة الوطن إلى الوحدة الوطنية ومن تدمير العقل إلى إحيائه ومنحه فرصة في الحياة للمساهمة في الجهد الوطني بعد أن عملت سنوات النظام الحالي على تغليف هذا العقل بكل ما يجعل المواطن العراقي آلة وأداة لخدمة الأغراض والأهداف العدوانية التي كان ولا زال يسعى من أجل تحقيقها ؟

هذه الشهادة التي أدلي بها هنا خالية من المجاملة وبعيدة عن أجواء المصالح الفردية والجري وراء فتاة الخبز التي يلقيها النظام لقوافل الصحفيين والتي يقطعها من قوت الشعب لكي يجمل صورته ويحسنها عبر وسائل الإعلام ومن  عائدات البترول الذي كان يجب أن توظف لخدمة البلد علميا وصحيا وصناعيا ،، وكان الأخوة الصحفيون من الأجدر بهم أن يتذكروا قوافل الإعدامات وقوافل المهجرين والمشردين ويقولوا لأخوتهم العسكر بارك الله فيكم بدلا من أن يكشفوا أنفسهم وارتباطاتهم وعلاقاتهم غير الواضحة ولا يدعوا مجالا للشك في أنهم من أنصار أو من أعوان الآخرين سواء النظام أو غير النظام وهم دعاة الرأي والرأي الآخر وهذا بشهادة برامجهم وندواتهم وآراءهم التي كان المواطن البسيط مثلي يتوسم بهم أن يباركوا هذا الجهد كوننا نحن البسطاء من المثقفين عندما نجد الديمقراطية تمارس من قبل العسكر فإننا نشعر بالاطمئنان ونتطلع إلى المستقبل المشرق لعراق موحد وديمقراطي .

لقد كانت القنوات الأجنبية والصحف حتى تلك التي ربما يتصور البعض أنها مدعومة من قبل النظام ، كانت منصفة بحق الأخوة العسكر وقالت كلمة حق غاية في الأهمية عندما نقلت الحقيقة كما هي وبدون أن تهاجم كما كانت سكاكين الأخوة ممن أشرت لهم تمزق جسد النجاح الذي أغرى الكثيرين لكي يعلنوا تأييدهم له وليعلم الكل أن هناك المئات من الضباط يتصلون بقيادة المجلس العسكري الذي تشكل مباركين ومعلنين استعدادهم  للانضمام إلى هذا الوليد الجديد والمساهمة في أية مهمة على أرض الوطن ولم يتساءلوا عن الدعم المادي الذي كان يطبع نفوس البعض من الذين لا يهمهم سوى الحصول على المكاسب المادية الضيقة منطلقين من نظرتهم للأمور على أنها تبدأ بالمادة وتنتهي بالمادي ولهذا كان عملهم لصالح النظام في هذه المرحلة من أبرز سمات سلوكهم الفردي ومعاداتهم للجهود الديمقراطية والوطنية التي أرسى الائتلاف الوطني العراقي دعائمها في مؤتمر التحالف العسكري العراقي وما نتج عنه .

إنها شهادة مراقب غير منحاز وليس ضالا بل كنت أتوخى الحذر والدقة في الحكم على الآخرين وقد آلمني رأي جارح يصدر من شخص يفترض به على رأس قوائم الباحثين عن الحقيقة والمدافعين عنها لا ضدها ، وليس على قائمة الذين يريدون لجهود الآخرين أن تذهب سدى ويبقى النظام العراقي يغذي هذه  الأساليب لتحقيق أهدافه بالاستمرار في إيلام أبناء العراق الغيارى والوطنيين منهم الذين استطاعوا أن يقولوا لا .. ثم ..لا .. ثم .. لا .. حتى يتحقق العراق الديمقراطي الموحد.