تُطلعنا وسائل الإعلام العراقية من صحف ومجلات، ومحطات إذاعية وتلفزيونية بين الحين والآخر عن أنشطة مختلفة بينها زيارات ميدانية، واستعراضات عسكرية، ومناورات قتالية كان آخرها الاستعراض الذي جرى في محافظة واسط لمقاتلي ومقاتلات فروع الحزب بالمحافظة، حضره العديد من القياديين بينهم، أياد فتيح الراوي رئيس أركان جيش القدس، وآخرين عسكريين ومدنيين. 

وإننا كعراقيين لا نريد أن نقفز من على الحقائق التي تؤكد أن الاستعراضات العسكرية تنفع لأغراض التعبئة العامة، وتفيد لأغراض الدعم المعنوي، لكن الحقيقة التي لا يدركها المعنيون بهذه الاستعراضات، ولا يفهمها المسؤولون عن عرضها في وسائل الإعلام ما يتعلق بالظرف المناسب لإجرائها، والتوقيت الملائم لعرضها.

والاستعراض مثله مثل وسائل التأثير الأخرى، فاعل فقط في الظروف الاعتيادية حيث اللجوء إليه وسيلة لزيادة الشعور بالمواطنة ورفع هيبة الدولة.

ومؤثر فقط في الظروف التي تسبق الحرب بفترة ليست قليلة حيث الاستفادة منه لتعزيز الدافعية إلى القتال وتقوية الاتجاهات الشعبية لدعم الدولة.

ومفيد فقط في زمن ما بعد الحرب لأغراض الدعم المعنوي ورفع شأن الدولة.

لكنه وسط الأزمة وأثناء التوتر قريبا من وقت الشروع  بالحرب التي نتوقعها قاسية مع الأمريكان وحلفائهم لا يمكن أن يكون مفيدا لغاية تتعلق بالحرب والاستعدادات الجارية لها، ولا يمكن أن يكون عرضه في وسائل الإعلام  نافعا للتعبئة من أجل الحرب وأخطارها المحتملة.

وبدلا من هذه الإجراءات التي كلفت الدولة مبالغ طائلة ، وتسببت في تبذير وقت المقاتلين وهم في الغالب طلاب مدارس وموظفين حكوميين كان بالإمكان التركيز على التدريب الفعلي لأغراض الدفاع بالاستفادة من ساعات وأيام أستغرقها التحضير للسير من أمام منصة التحية.

إننا نمر في واقع الحال بوقت حرج لا نحتاج فيه إلى الاستعراضات التي تظهر تنسيق الخطى والمسير، ولا نحتاج فيه أن نحسب الكراديس التي تمر من أمام قاعدة التحية التي يتربع عليها الرفاق، ولا نحتاج أن يجلس المحافظ وأمين سر التنظيم في المقدمة ليردوا تحية المستعرضين. 

العراق في هذه الأيام العصيبة يحتاج فقط إلى الجهد الذي يصب في تقوية الاستعداد الفعلي للدفاع ، ويحتاج إلى العقل الذي يخفف من قلق العراقيين، ويحتاج أيضا إلى أن يكون المحافظ وأمين سر التنظيم في المقدمة بين المواضع الدفاعية الأمامية، وليس على الأرائك في المقرات والبيوت الفخمة، وأماكن الاستعراض.

إن الوقت يمر بسرعة، ونقد الذات مطلوب بسرعة، وتغيير الوسائل والأساليب مطلوب أيضا بسرعة، وبعكسه سيأتي اليوم الذي لا نجد فيه الوقت كافيا لإعادة الحسابات ..... عندها سنندم لأننا لم نفعل الصحيح، لكن ..... بعد فوات الأوان.


لندن: 13/2/2003