في آخر لقاء له مع ضباط من الحرس الجمهوري يوم أمس، تطرق صدام حسين أو بالمعنى الأدق وجه أولئك الضباط بضرورة العمل على تقليل خسائر وحداتهم مع ضرورة الأخذ بالاعتبار تكبيد العدو أكبر الخسائر، وكأنه في توجيهاته هذه يعبر عن طبيعته العدوانية التي تدفعه إلى الشعور بالارتياح عندما يتحسس الموت لبني البشر خصوم كانوا أم من غير الخصوم، وهذه خاصية عند صدام حسين لم تكن جديدة، ولم تتعلق بالغربيين، فسبق وأن تمنى، وعمل على تحقيق أمنياته في زيادة الخسائر البشرية للإيرانيين في حربه معهم، والأدهى عمل على زيادتها بين أبناء شعبنا في الوسط والجنوب، وكذلك في الشمال، وهكذا شأنه في النظر إلى إنسانية الإنسان من زاوية الموت والخسارة.

والغريب بالأمر لو حاولنا المقارنة بين صدام ومفهومه للخسارة، ومساعيه لتحقيقها مع خصمه الرئيس الأمريكي نجد أن الفارق شاسعا حيث يوجه بوش وبغض النظر عن النوايا والحقائق التي ستفرض نفسها على الأرض بتحوير خطط جيشه والحلفاء بما يقلل الخسائر العراقية إلى أقل ما يمكن.

وطبيعي لا يقصد الخسائر المدنية فقط، بل وحتى بين العسكر العراقي الذي يعلم جيدا أنهم مدفوعين إلى القتال قسرا، وفي هذه المقارنة علينا أن لا ننسى محاولة الرئيس الأمريكي تصنيف الضباط العراقيين الذين ينفذون أوامر قتل المدنيين العراقيين مجرمي حرب تجري محاكمتهم بعد انتهائها.

هكذا يفكر صدام، همه فقط أن تكثر الخسائر ليتشفى بعدوه، وليتأمل أن كثرتها ستجبر الأمريكان على إيقاف الحرب تحت ضغط الرأي العام، وكأنه لا يريد أن ينسى تجربة فيتنام التي تجاوزها الأمريكان في فلسفتهم القتالية، وباتوا لا يدخلون حربا لم يضمنوا فيها تفوقا ساحقا على خصمهم يحقق لهم نجاحا في النتائج بأسرع وقت وبأقل الخسائر البشرية، وهذا ما حصل في حرب الخليج الثانية التي لا يريد صدام تذكرها، وكذلك الحال بالنسبة إلى يوغسلافيا، وأفغانستان.

إن صدام الذي يعيش أزمة معنوية في أيامه الأخيرة لا يمتلك من التوجيهات العسكرية، والسياسية كما كان أيام زمان، فعاد إلى العموميات في حفر الخنادق، والسباحة، وأخرها تكبيد العدو خسائر كبيرة بالأرواح، وإنه لم يتعلم فن العسكرية، وأصول القتال رغم دخوله عدة حروب منذ توليه السلطة، وبقي على حاله محاربا بطريقة المافيا ورجال الليل التي بسببها كلف الجيش العراقي آلاف الإصابات وتدمير بنيته، وقدراته.

الأمر الذي يدفعنا كعراقيين إلى تنبيه أخوتنا الضباط قبل فوات الأوان بضرورة التفكير ألف مرة قبل توجيه أسلحتهم لمجرد القتل خاصة لأخوتهم العراقيين، لأن للقتل العشوائي حساب في أول يوم يسقط فيه الطاغية صدام.


لندن: 9/3/2003