من الطبيعي أن تكون دوائر وأجهزة الأمن الخاص، والمخابرات والأمن العامة وكذلك الاستخبارات العسكرية محط اهتمام صدام حسين، لأنه يعول عليها كثيرا في تنفيذ ومراقبة خططه للحماية والأمن، ومن الطبيعي أيضا أن يتخذ الإجراءات اللازمة لبقاء فاعليتها في الحرب بالمستوى المطلوب، عليه وجه بأن تخلي تلك الدوائر مقراتها الرسمية وتنتقل إلى أماكن أخرى غير معروفة، لا تجلب الشك عند اشتغالها فتوزعت مديريات ومعاونيات وشعب، وأقسام تلك الدوائر على أماكن متفرقة من بغداد، لم تستثن دائرة حكومية قديمة أو ملحق في جامع كان معدا في السابق لأغراض الوعظ، والتدريس أو بيت بين بيوت الناس القلقين، وانتقلت بالفعل بعد أن تأزم الموقف لمستوى النذر بحرب باتت على الأبواب، خاصة وإن تلك الأجهزة كانت طيلة الصراع بين الحكومة العراقية والحلفاء من بين أهداف القصف، وستكون هذه المرة أكثر استهدافا لاتهام بعضها بالتنسيق مع شبكات إرهاب دولية، وضعتها الحرب بين أهدافها الرئيسية.

إلا أن غير الطبيعي توجيه صدام إلى تلك الأجهزة المهمة بالنسبة إليه لأن تقلص أعداد منتسبيها من الضباط في المحافظات الجنوبية، وإلى أقل عدد يستطيع أن يدير العمل خلال فترة الحرب.

أن صدام الذي دعم تلك الأجهزة في الأربع وعشرين سنة، وأغدق المكارم على منتسبيها، وبعث كثير منهم إلى دورات خارج العراق، ووضع أعلى قياداتها  ضباط من بين الأهل والعشيرة، يبذل المستحيل في سبيل حمايتها من ضربة جوية حليفة تؤدي إلى انفلات زمام الأمور فيها، يعمل كل ذلك ليس معزة بتلك الأجهزة التي لا يحمل لها شعب العراق في ذاكرته إلا الصورة المؤلمة، والحقد الدفين، بل وللمحافظة على قدراتها في السيطرة على الشارع البغدادي إلى اليوم الذي تحاول فيه قوات التحالف الدخول والقتال قريبا من مخابئه.

إن صدام يتعامل مع العراقيين عسكرا أو مدنيين وفقا لما يقدموه من منفعة له ولنظام حكمه، لا يهمه من يذبح في الطريق إليه ..... بغداديا كان أم تكريتيا، ولا يؤلمه دمار يحصل على حافتي الطريق في الموصل كان أم في البصرة.

أنه يقاتل من أجل البقاء، ويستخدم الآخرين وقودا في نار يحاول إيقادها أملا في أن تحول بينه وبين الحلفاء.

وهذه أمور يعرفها ضباط تلك الأجهزة الأمنية خاصة في الرتب الوسطى والأقل منها، لكن الذي لا يعرفونه أن جميع الأماكن التي انتقلوا إليها حديثا مؤشرة، وستكون هدفا للقنابل الذكية، وسيكون من المنطق أن يتركوا تلك المقرات مع أول إشارة بدء للقصف الجوي قبل فوات الأوان.   

لندن: 12/3/2003