لا شك أن أهل بغداد وباقي المحافظات العراقية شمالا وجنوبا يتذكرون ليلة السابع عشر وصباح الثامن عشر من كانون الثاني عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعون، يوم انقضت على بغداد وباقي المدن والقصبات آلاف الطائرات الأمريكية، ومثلها من الصواريخ الغاشمة بقصد هدم الحضارة العراقية والتمهيد للهجوم البري.

ويتذكرون أيضا كيف سارت آلاف السيارات أرتالا على الطرق الخارجة والمنافذ المؤدية إلى باقي المحافظات من بغداد على وجه الخصوص.

كل يجري باتجاه محدد، غايته التخلص من احتمالات الإصابة داخل المدينة التي جعلها الأعداء هدفا مباشرا للحرب.

ويتذكرون كذلك بعض معالم الفوضى في تلك التحركات، وربما يقلقون ومن حقهم بشرا أن يقلقوا من حدوث مثل تلك الفوضى في الحرب المقبلة التي إذا ماتخيلو،ا وتخيلنا معهم خططها وسبلها التي ستكون ليست بعيدة عن المدن وسكانها الآمنين، وليست بعيدة عن احتمالات الخسائر العالية وسطهم كمدنيين إذا ما استهدف الخصم تلك الطرق والمنافذ التي يرصدوها جيدا بوسائلهم التقنية المعروفة بقصد إحراج القيادة العراقية وتكبيدها أكبر الخسائر بالأرواح.

وهذا أمر غير مستبعد في الحرب، عليه يصبح من الأجدر أن تدرس مثل هذه الاحتمالات، وتأمر على الفور بتنظيم حركة المدنيين داخل المدن التي يمكن أن تكون هذه المرة ساحة للمعارك الحاسمة، وإذا ما حدثت فإن ضمان تقليل الخسائر سيكون ممكنا خاصة وإن الحرب ستكون بحاجة إلى مدنيين يتمتعون بمعنويات عالية، وإلى مدنيين قادرين على العيش دون تذمر، يصلهم الغذاء بشكل معقول وكذلك الماء والدواء، وحد أدنى من الوسائل الخدمية.

وتحتاج ايضا داخل المدن إلى مدنيين يدعمون الجندي المقاتل، يكونون ظهيرا له، يمدوه بالعون المعنوي، يقدمون له الإسناد الإداري .... أن لا يكونوا عائقا له في القتال أو حملا ثقيلا على كاهله يوم يحتاج التحرك سريعا بلا أحمال.

إن المدنيين في العراق ومنذ أكثر من عشرين عاما تعلموا التعامل مع ظروف الحرب التي خاضها العراق أكثر من مرة، لآنهم كانوا وقودها كل مرة، وإن اكتسبوا مناعة العيش تحت طائلة الضغوط الشديدة.

ومع ذلك فإن هذه طاقات ستنضب.

ولا يمكن أن تكون فاعلة إلا بوجود إجراءات لتنظيم وضع المدنيين وكيفية تحركهم وبعض الضوابط التي يعملون عليها عندما يكون القتال قريبا منهم، وبين أهلهم، وعشيرتهم، وفي مزارعهم وحقولهم.

الأمر الذي يشجعنا أن نقول في العلن إن العراق بحاجة ماسة إلى تنظيم كل تحركات المدنيين بشكل واضح ومفهوم قبل فوات الأوان.


لندن: 15/2/2003