حاول البعض من المسئولين في الحكومات العراقية المتتابعة استخدام الجيش العراقي الباسل بالضد من الشعب أثناء الاحتجاجات، والمظاهرات التي كانت تجوب شوارع بغداد وباقي المحافظات العراقية قبل حكم البعثيين، وأبى كثير من الضباط والآمرين تنفيذ تلك الأوامر.

وكان المواطن العراقي يعتز بخدمته المكلفية في الجيش حتى أسماها العراقيين  الخدمة الوطنية رغم تسميتها الرسمية بالخدمة الإلزامية، لكن الأمر قد تغير فيما بعد مجيء البعث إلى حكم العراق بعد 1968، عندما أقحم الجيش مع الشرطة، وقوات الأمن الداخلي أحيانا في أمور داخلية بحتة ليست من اختصاصه، فتسببت تلك الإقحامات غير المبررة في إيذاء المواطن العراقي. وكانت أكبر عملية إقحام تلك التي حدثت إبان الانتفاضة ما بعد حرب الخليج الثانية، والتي كونت اتجاهات وآراء سلبية في عقول المواطنين العراقيين نحو الضباط والمراتب خاصة من منتسبي الحرس الجمهوري والحرس الخاص الذين بالغوا كثيرا في عمليات الإيذاء.

واليوم وبعد أن أصبحت الحرب على الأبواب، وبعد أن رفض صدام كل المقترحات التي قدمت لحل المشكلة سلميا، وتمادى في خداعه الأمم المتحدة، لم يعد هناك أمل بتجنب ويلاتها الكثيرة.

وهذه الحرب المتوقعة تذكرنا بالحرب السابقة، وتدفعنا أيضا إلى التحسب لما سيجري فيها، فالشعب العراقي الذي عانى على سبيل المثال من مآسي هذا النظام ينتظر من أجل الخلاص بأي ثمن كان، ومن فقد أبنا أو أخا ينتظر ساعة يفتش فيها عن قاتل أخيه، ومن كتم في داخله معاناة لعشرات السنين يجاهد في أن يتخلص منها تحت أي ظرف من الظروف. هكذا سيكون حال الشعب العراقي مع بدايات الحرب.

وهكذا سيتصرف الأهل، والأقرباء.

وهم بتصرفهم هذا لا يستحقون رد قاس من الضابط في الحرس الجمهوري أو الحرس الخاص، ولا يستحقون تنفيذ أوامر الطاغية بضربهم بأقصى قوة، ليس فقط لأنهم أهلنا وأهل الضابط في تلك القوات، لكن الأمر مختلف هذه المرة، فصدام سوف لن يبقى في الحكم ويعطي المكارم لمن يقتل شعبه أو يحميه من الثأر الموجود، والأمم المتحدة بقوانينها وضوابطها الإنسانية ستكون حاضرة في ساحة القتال .... تسجل كل حالات القتل العمدي للمدنيين العراقيين، وكذلك هدم البيوت، واستخدام الأسلحة المحرمة، وتخريب البنى التحتية، وغيرها أعمال ستؤدي بمرتكبيها إلى العقاب الدولي، وتفتح المجال أمام العراقيين المغدورين إلى الانتقام .

نحن بحاجة الآن إلى أن يفكر أخوتنا الضباط ألف مرة بكل خطوة يخطوها وبكل أمر يطلب تنفيذه لأن العراق سيكون غير العراق الحالي، وقوانينه ليست كما هي عليها الآن.

نحن جميعا بحاجة إلى أن نعيد حساباتنا جذريا قبل فوات الأوان.


لندن: 1/3/2003