كانت حرب الخليج الثانية درسا قاسيا إلى صدام حسين تعلم منه، أن مواجهة خصم يتفوق عليه كثيرا في العدة والعدد أمرا مستحيلا، وإن القتال في الأرض المفتوحة مع قوى تستخدم أسلحتها بتوجيه من الأقمار الاصطناعية مسألة صعبة، عليه عبئ قواته للدفاع عن عرينه بتركيز تواجدها في بغداد التي أعتبرها معركته الأخيرة، وبدأ يعمل على أن تكون دفاعاته خارج المدن وبعيدا عن بغداد على وجه الخصوص لمجرد التعويق وتشتيت جهد المهاجمين، عليه أمر بأن يحفر البغداديون ملاجئ لهم في حدائقهم، ليركنوا إليها وقت القصف والغارات، ووجه أن يحفروا آبارا لشرب الماء، وكأنه في أوامره هذه يريد أن يقنع العراقيين أنه مهتم بشؤونهم وحريصا على أرواحهم، لكن الحقيقة ليست كذلك.

فحفر الآبار بسبب عدم قدرة جهازه الحزبي من إدامة أجهزة ومعدات إسالة الماء أثناء الحرب كما حصل في الحرب الخليجية الثانية.

وحفر الملاجئ لتهدئة أهل بغداد، ودفعهم إلى البقاء فيها أثناء الحرب في محاولة منه لاستخدامهم دروع بشرية، يراهن عليهم ويتاجر بأرواحهم، كما هو حال متاجرته بالخسائر الجارية في الأطفال والشيوخ يوم لا يوفر الدواء متعمدا، ويجمع جثث الأطفال الموتى لعدة أيام بغية تشييعهم بشكل جماعي ليوحي عن طريق الإعلام كثرة الموتى بسبب الحصار.

إن صدام الذي يؤمن بالغاية تبرر الوسيلة يريد أن يتاجر هذه المرة بأرواح البغداديين، يحاول أن يبقيهم في بيوتهم حتى وصول قوات الحلفاء محيط مدينتهم، وعندما تحصل خسائر في القتال يظهر للعالم مناديا بكثرتها في أرواح المدنيين على أمل أن يضغط الرأي العام العالمي والأمريكي على الأمريكان والحلفاء لوقف تلك الحرب بشروط خفيفة بالنسبة له شخصيا.

إن المشكلة في هذا الجانب الحيوي هو أن العراقيين تعبوا من مسألة خروجهم من بيوتهم في الحرب السابقة، ويرى معظمهم أن بقاءه في البيت أسلم له ولأمواله من الخروج، لكن الذي يجب معرفته أن هذه الحرب ليست كسابقتها، فهي هذه المرة ستدور داخل العراق، وسيكون هدفها صدام حسين الذي لن يتواجد في المواضع الدفاعية قريبا من الحدود بل في جحوره التي شيدها تحت أرض بغداد، وستكون  المعركة الحاسمة بين تلك الأقبية والجحور حتى يمسكوا به أسيرا يحاكمه العالم كله على جرائمه ضد الإنسانية أو يُقتل في الحرب وهو هارب يتنقل متخفيا من حفرة إلى حفرة مثل الجرذان.

وهذا توقع للمعركة يساعدنا في أن نتنبه إلى ما يجري ولنوايا ذاك الدكتاتور.

وأن نكون بعيدين عن مركز بغداد جهد الإمكان، نحاول منذ الآن الذهاب خارجها عند أقاربنا ومعارفنا في الريف لنكون بمأمن عن نواياه في ذبحنا قبل فوات الأوان.


لندن: 33//2003