عودة إلى أحداث الانتفاضة بداية آذار 1991 نرى أن ضباط الاستخبارات العسكرية العامة وزعوا على المحافظات العراقية كمستشارين عسكريين للمحافظين الذين أصبحوا بتكليف من صدام حسين حكام عسكريين كل في منطقته، وتصرف البعض من أولئك الضباط مع شديد الأسف تصرفا غير نزيها في التعامل مع المنتفضين، إذ زاد قسم منهم من دوره في تقديم المشورة العسكرية والاستخبارية إلى المحافظ لمستوى القيام بقتل، وتعذيب بعض الشباب المنتفضين.

ونرى أيضا أن الاستخبارات العسكرية أرسلت ضباط آخرين بالرتب الصغرى إلى المحافظات الجنوبية على وجه الخصوص ليندسوا بين المنتفضين ..... ينفذوا واجبات قيادة الجماهير المنفعلة لارتكاب الخطأ، كذلك دفعها للهتاف بهتافات طائفية، سجلت معظمها وأرسلت إلى الإعلام العربي، والعالمي بقصد التحذير والتضليل من أن الانتفاضة ستؤدي إلى حكم إسلامي يؤثر على الجيران في المنطقة غير المستقرة.

إن العمل المهني الاستخباري لا يحمل صاحبه المنفذ أية تبعات قانونية في الحروب، لأن المعني ينفذ أوامر المافوق كما هو جار في كل جيوش العالم.

لكن المغالاة بتنفيذ الأوامر والتفنن في طبيعة تنفيذها أكثر مما تقتضيه سياقات العمل العسكري، مثل التبرع بالقتل، وحرف الجماهير للقيام بأعمال التجاوز على المال العام، والغدر، والاغتيال كلها أعمال باتت مرصودة من قبل العراقيين، وكذلك الحلفاء الذين سيدخلون الحرب حتما في القريب العاجل.

عندها سيكون سلوك الضابط مرصودا، وتصرف ضابط الصف مسجلا، وسوف لن يستطيع أحد أن ينكر ما قام به من أعمال بقصد إثبات الولاء إلى حاكم لم يتبق من عمره غير أسابيع قليلة.

وسوف لن يتمكن أحد من تأكيد العفو لمن حاول الاسهام بدعم نظام مطاح به حتما بحكم الضرورة.

وفي هذه الحال يكون من الحكمة والعقل أن يفكر كل الضباط وضباط الصف في مديرية الاستخبارات العسكرية ووحداتها، واستخبارات الفيالق والفرق وأمنها، قبل أن يقبلوا على أعمال تؤذي العراقيين، لأن القانون سيطالهم بعد رحيل صدام، وتأنيب الضمير لمواقفهم بالضد من رغبة العراقيين في الوقت الضائع ستنهكهم بعد التغيير.

إن الظروف الآن هي ليست كما كانت عام 1991، والغاية من الحرب لم تكن مثل تلك الغاية، ورؤيا العراقيين في الوقت الحاضر ليست كما كانت في السابق، كما إن صدام الذي علمَّ العراقيين فن المراقبة وتسجيل الأنفاس، سوف يجني جهازه الأمني والاستخباري نتيجة ذلك التعليم ، لأن التسجيل هذه المرة سوف لن يقتصر على عملاء النظام، بل لكل العراقيين الواعين.

عندها يصبح التصرف العقلاني الذي يعيد ضابط الاستخبارات إلى أهله، وشعبه، وجيشه عزيزا كريما هو الأصح قبل فوات الأوان. 


لندن: 20 /2/2003