نشطت مديرات ومراكز الأمن في المحلات البغدادية، والمدن العراقية الأخرى، في تفعيل خططها الأمنية المضادة بمحتوياتها ذات الصلة بشبكة الوكلاء والمتعاونين على المستوى العام، خاصة أولئك الذين يملكون مصالح في الأماكن المهمة مثل الفنادق، وبعض المحال التجارية، والأكشاك وغيرهم، وعاودت الضغط عليهم من خلال التهديد بعدم تجديد تراخيص العمل إذا لم يثبتوا قوة اندفاعهم في مجال التزويد المنظم لتلك المراكز والمديريات بالمعلومات الأمنية المهمة، وربطت كل مجموعة من هؤلاء بضابط من الأمن يكون مسئولا عنهم، لديهم أرقام هواتفه في جميع الأوقات، مطلوب منه التبليغ عن نشاط العراقيين أفرادا وجماعات من الذين يشك بإثارتهم الآخرين بالضد من الدولة، وعن ردود الفعل غير الاعتيادية للعوائل والبيوت التي لم تحسم ولائها مع الضربة المحتملة، وفي سياق خطة التنشيط المذكورة يطلب ضباط الأمن من أولئك الوكلاء والمتعاونين تكثيف اتصالاتهم الهاتفية بضابط الارتباط المعني في هذه الأيام بدعوى الممارسة العملية.

وهذه وسيلة للتعامل مع المجتمع العراقي درجت عليها أجهزة الأمن الحكومية نهاية السبعينات، بعد اعتلاء صدام المركز الأول للحزب والثورة، واعتمدها بشكل مكثف أيام الحرب العراقية الإيرانية، إذ يشترط على كل صاحب مطعم أو محل في مكان مهم أو فندق أن يكون له اتصال بالجهة الأمنية المعنية في المنطقة، وهكذا بمرور الوقت تكونت أكبر شبكة وكلاء، ومتعاونين في العالم، لكن عمل تلك الشبكة تصدع بعد حرب الخليج الثانية وأثناء الانتفاضة إلا في قليل من الحالات اسهم فيها أولئك الوكلاء في التبليغ عن حالات بعد وقوعها، لكن ضباط الأمن الذين تمرسوا في هذا النوع من العمل يريدون اليوم أن يتجاوزوا أخطاء عام 1991 بتركيزهم الطلب على التنبيه عن الحدث قبل وقوعه وليس بعد الوقوع.

وهذا هو الدافع الرئيسي لتنشيط فعالية هذه التنظيمات الأمنية وإجراء الممارسات لإتقان فن وآلية التبليغ، ومع ذلك فإن غالبة هؤلاء المصنفين كوكلاء لدى الأجهزة الأمنية بشكل عام، وضعوا في هذا الموقف الحرج بسبب حاجتهم لديمومة أعمالهم، والحصول على رزقهم التي اشترطت الحكومة أن يكون مشفوعا بالموافقة على الانخراط في تنظيم الوكلاء، الأمر الذي جعلهم يلتفتون في مثل هذه الأيام الحرجة يمينا وشمالا، يفكرون بالكيفية التي يتخلصون من ورطة وضعوا فيها قسرا، رغم أن التخلص منها مسألة سهلة قوامها عدم المبادرة في التبليغ عن أي شيء بدعوى عدم الإطلاع عن ما حدث، لأن النظام غير متفرغ لمراقبة الجميع في هذه الأيام وإن جهوده مشتتة بين متابعة النشطين، وغير المؤتمنين، وحماية الأمن، وفي مجالها يمكن القول أن عدم المبادرة، وحدها تثبت عدم التورط في أعمال غير إنسانية قبل فوات الأوان.      

لندن: 12/3/2003