يحمل العراقيون في ذاكرتهم كثير من الآثار السلبية عن أداء وسلوك ضباط ومراتب مديرية الأمن العامة خاصة بعد عام 1979، ويتذكرون يوم كانت الشعب المختصة فيها تسابق الزمن لتلقي القبض على الكثيرين بتهمة الانتماء إلى أحزاب معارضة. 

ويتذكرون أيضا كيف كانوا هؤلاء الضحايا يوضعون في سيارات مصممة أصلا كأقفاص لنقل الحيوانات. ويتذكرون كذلك الأيام التي يرسل فيها أولئك المغدورون إلى صحاري الثرثار، وبادية النجف، وأثل البصرة تباعا من أجل الموت.

وما زالت في ذاكرتهم صورة المكائن وهي تحفر القبور الجماعية لمئات الأشخاص في الوجبة الواحدة.

ولم ينسوا أبدا معالم أولئك الشباب وهم معصوبي الأعين يصطفون بمواجهة الموت، والرفاق ، والمدراء العامين، والكادر الحزبي يطلقون عليهم النار من بنادقهم الآلية، وكأن الأمر حفل عرس من أعراس الرفاق.

ويتذكرون أيضا تلك السجون المظلمة، والأساليب البشعة، ولا ينسون أبدا أحواض الحامض التي يرمى بها المتهمون.

كل شيء في الأمن العامة، وما زال قبيح ومؤلم يثير الاشمئزاز، ما يتعلق منه بالغدر الذي بات طبيعيا لأقرب الرفاق أو بالتجسس على الأهل والأصدقاء أو بالاعتداء على الناس وهتك الأعراض .

لقد أصبحت الأمن العامة مستودع رعب بالنسبة إلى العراقيين، وأصبح الضابط فيها مثالٌ لطاغية العراق أو صورة مصغرة منه بعد أن تقمص بعض من شخصيته المريضة، ينظر إليه العراقيون نظرة حقد على أعماله الشائنة، ونظرة شفقة على ما يمكن أن يصيبه بعد التغيير يوم يكون الحساب شاملا للأخطاء التي ارتكبت دون تفرقة أو محسوبية.

ويوم يسود العدل في نظام حكم يكون فيه العراقيون سواسية في الحقوق والواجبات، لا فرق في التعامل بين ضابط في الأمن وآخر في شرطة المرور، ولا بين مواطن من تكريت وآخر من السماوة.

ومع تلك الصورة القاتمة، والأمل بمستقبل أفضل، ما تزال الفرصة سانحة ، وما زال العفو ممكنا، إذا ما راجع الواحد منهم تاريخ خدمته، وأعترف مع نفسه بالأخطاء والخطايا التي أرتكبها، وقرر أن يقوم بعمل ما من أجل العراق، وأهل العراق، والأعمال كثيرة في مجال خدمته الحالية في الأمن .

كأن لا ينفذ أوامر الطاغية التي باتت نهايته حتمية خاصة تلك التي تتعلق بقتل العراقيين الذين سيحتجون على استمرار حكمه يوم تشتد الأزمة. وان لا يندس بين الجمهور العراقي من أجل التنكيل به في حال التوجه للتعبير عن تضامنه وتأييده قوى التغيير. أن يكون صادقا مع نفسه ويقف وقفة الشجاع القادر على فهم ما يدور من حوله قبل فوات الأوان. 


لندن: 16/2/2003